الفنانة الرومانية Cristina Dinu فنانة بألف لون (جماليًا وإنسانيًا)
كتب / العربي الرودالي، المغرب
(كريستينا دينو) فنانة تشكيلية رومانية الأصل، تعيش في قطر. وبهذا فهي حملت معها هدوء المجتمع الروماني في انضباطه، وحلت به على هدوء مجتمع شرقي في أصالته، إنَّها عاشقة لكل تمازج هادئ، من هنا تتعامل مع لوحاتها وكأنَّهن أخوات لها يعشن بالقرب كما كنَّ جميعًا، أسرة واحدة، وهكذا تحول الوضع في تساكن مع المجتمع الجديد، إلى حميمية رومانسية جمالية، في علاقتها باشتغالاتها الفنية التي أودعتها وتودعها أكثر من حلم، تطبعه رومانتيكية وثيقة مع الكل في بلد مضياف فهي تقاسم لوحاتها وتشاركها الجلوس على نفس (كنابة) غرفتها، أو في قاعة ارتياحها، كما كان الأمر دومًا، وكأنَّها هي نفسها لوحة تتزين بإطاراتها وتتبادل معها الألوان الأنيقة والبسمات الحالمة. لقد وجدت في قطر، نفس الأنس والحميمية والتقارب والتجاوب؛ الشيء الذي أذاب كل ضيق أو غربة، مدة عشر سنوات وأكثر.
لقد بدأت (كريستينا دينو) رحلتها الفنية عصامية، كما تقول، متخذة الرسم كهواية في بوخارست العاصمة الرومانية منذ نشوئها، واستمرت تشق طريقها اعتمادًا على نفسها وتعتبر أنَّ الرسم قد مكنها من التعبير عن ذاتها وعما يجري بداخلها، فاستطاعت بهذا تحويل مشاعرها إلى حس فني دافئ وناعم، هو مرآة لوجودها كما أنَّه منحها سعادة كبيرة لإنشاء لوحات فريدة وأصيلة من القماش خاصة، تتمناها أنْ تكون هي مصدر سعادة جمالية للآخرين من جمهورها وللمتلقين عامة؛ فهي تعبر عن موضوعات متعلقة بالحياة في الشرق الأوسط، مستوحاة من الطبيعة ومشاعر إنسانية وعاطفية صادقة. ولقد تحولت في خضم هذه التجربة الجديدة مؤخرًا إلى نهج أكثر تجريدًا، سيكون مفاجأة لرواد معارضها، وهي راضية بذلك.
لكن ورغم كل هذا التفاؤل والحماس والأنشطة المستجدة لديها، ففي كيانها حزن دفين ولو خلف ابتساماتها المطمئنة لها فقد جاءت برصيد كان تجربة مراس تخللها طموح متفاعل مع هواجس تذكرها في بلادها، وفي آن واحد تدفعها لتستمر، الشيء الذي جعلها تتعايش مع ذاتها ومشاعرها أكثر. لقد ساعدتها تجربتها المتطلعة تلك، على تنقلها إلى بلاد قطر، التي ضمنت لها ترحابًا، يواسي بعدها عن بلادها الأم، وجعلها تقبل على القادم بتتيم وعشق، يكشف عن رغبتها الهادئة، حيث تفتق ذلك الطموح القادم معها بالكثير من العطاء، مما جعلها أكثر فنًا وأغزر حبًا.فهي تتحاكى في/ومع لوحاتها، سيرة هذا العشق الذي طرأ عليها وغامرت به؛ إذْ هو مزج، كما سبق الذكر، بين هدوء المجتمع الروماني في انضباطه وهدوء مجتمع شرقي في أصالته.
فلنتملى هذه اللوحات المعبرة عن نفسها باطنيًا، فهناك-نوارة- متوترة تلهفًا إلى مزيد من أخوات لها تؤنسها، -وضبابية عالم- متموج بإبهام محير، وهناك أيضًا -توق قزحي- يرجو الاتساع في أمله بتطلعات لا حدَّ لها، -وأكوام عالقة بين سماء وماء- ترجو استقرارها، وكذا -عصافير مستكينة- إلى حزنها، تتمنى تعاطفًا غاب عنها. ويا لها من -عروس- تحلم في عالم هيولي بين وريقات زهرة تخشى الفقدان، حبًا في الحياة ، وها هو -مسكن للمبعدين- يتمنى أن يقطنه أهله، غير أنَّ هناك –حصان جد حزين- ينتظر فارسه الذي غاب وكذا -فرس- غير راض عن نفسه، يتوق إلى الانتصار، و-إوز في بحيرته- حائر ويرجو الاهتداء إلى مبتغاه.
فالمشاهد هنا سيبحر في تأملات عميقة المغزى وفق شعوره الخاص، ليتعرف على فنانة تعيش الواقع بمهجتها الصادقة، وتعاني التياهان بين الحنين إلى هناك والاستقرار في الهنا.
وهكذا فإنْ دل هذا على شيء فإنَّما يدل على أنَّ التشكيل بطبعه الواقعي هو أصدق تعبير يحرج كل كلام باستلهام يحرر الخيال ويحتفي به فالريشة باشتغالها الأنيق، هي من يضمن صدق الإحساس مما يحرك تفاعلا لدى المتلقي، حيث فن الرسم هنا لا يخالف النبض ولا الحس الإنساني، فهو كمياء سار يرفض أنْ يحد تخياله، سواء عبر المحاكاة أو الانطباع أو التجريد، وهكذا تتناسج خطاباته التشكيلية بوداعة عبر كل خطوط ألوانه، مع كل لمسة حالمة ووجدان ملهم.
وبالمناسبة، فللتشكيلية (كريستينا دينو) لها من الأنشطة بدولة قطر مشاركات فنية تشكيلية، تشهد عليه ما أخبرت به حواريتها مع الإعلام العربي القطري، دونته جريدة الراية، قائلة:
“قالت الفنانة الرومانية (كريستينا دينو)، عضو مجموعة الدوحة للفنانين: إنَّ الرياضة لغة عالمية، لذا قرّرت ربط أعمالي الفنية بكأس العالم لكرة القدم 2022 الذي طال انتظاره. وستكون هذه هي المرة الأولى التي أستكشف فيها شكلًا فنيًّا واسع النطاق، وأنا أتطلع إلى تجربة التعلم المُذهلة هذه..”.
شكرا لموقع عرب22، لنشرها مقالتي بعنوان “فنانة بألف لون ولون. جماليا وإنسانيا”… بتوضيب ونسقية الأستاذ والإعلامي محمد أسامة، المختص بالفنون التشكيلية والأدبية…تحيتي لطاقم هذا الموقع المتميز