مشاهد شعر شرقى وغربى فى أعمال معرض “عشق” المشهدى

15/1/2021

0

د. أحمد عامر جابر

“ما لم نتعلم كيف نحب خلق الله، فلن نستطيع أن نحب حقًا ولن نعرف الله حقًا” شمس الدين التبريزى

الفنانة السعودية أحلام المشهدى، من التشكيليات ذوات الحضور الواضح والبصمة المميزة فى المشهد التشكيلى السعودى.هذه البصمة المميزة فتحت الطريق لها للتواصل مع مشاهدى وعشاق الفن التشكيلى فى الوطن العربى وخارجه عبر العرض فى صالات حقيقية وأخرى افتراضية بسبب عدوى “كورونا” التى عبرت عنها ببعض الأعمال.

المشاهد للمعرض (بصالة ” نايلا” بالرياض، ١٢-١٤ يناير ٢٠٢١ والمحتوي على ٣٦ لوحة، منفذة بمواد ومقاسات مختلفة)، يجد نفسه موغلاً منذ الوهلة الأولى فى فضاء فن بصرى، يشحذ الوجدان بمشاعر وعواطف جياشة تحفز كل وجدان حى وذهن مستنير للإشراق بلا حدود. لذا لا غرابة فى تدفق خواطر وأحاسيس، تنثال منسابة بلا توقف فى هذا الباب (العشق)، يكون فيه للشعر العاطفى نصيب ملحوظ. إذ تُذكِر الأعمال المشاهد، بتجارب عاشها وأمانى يعايشها عبر أزمنة وأمكنة مختلفة، بل تمثل ما يمكن تسميته “المعادل الموضوعى” الذى قال به الشاعر والناقد الكبير تى إس إليوت فى مقالته القيمة “هاملت ومشاكله” (١٨٨٨-١٩٦٥). جدير بالذكر أن إليوت قد ألهم كاتب هذه السطور إقامة معرضين عن شعره ومقالين مختلفين (بالعربية والإنجليزية) عن أعماله وسيرته.

لا شك أن ثقافة الفنانة الواسعة ساعدتها كثيرًا فى إنتاج محتويات معرضها المنسجم فى جوهره مع مضمون قراءاتها فى الفلسفة والشعر والنثر والتى شملت فى الأخير، “قواعد العشق الأربعون” للكاتبة التركية البريطانية إلف شفق لتمضى بذلك لأبعد من مقالة إليوت عن مأزق الإنسان فى “هاملت”، أو كالذى تصوره قصيدته الشهيرة “أغنية حب جى الفريد بروفروك” التي يقول مطلعها:

هيا بنا نذهب، ثم أنت وأنا

حينما يمتد المساء باتجاه السماء

كمريض مبنج على منضدة
……
فى الحجرة النساء يجئن ويذهبن

يتحدثن عن مايكل أنجلو

إن سعة أفق إليوت (صاحب “الأرض الخراب”، القصيدة الفارقة فى الشعر المكتوب بالإنجليزية، التى تدين إيغال الحضارة الغربية فى المادية، والتى كان لها أثرها فى كتابة قصيدة الحداثة العربية وما بعدها)، قد أوحت فى “بروفروك” بتداخل الشعر والتشكيل بل الموسيقى والمسرح وغيرهما بما يتسق مع قول التبريزى أعلاه فى حب الإنسان والله. هذا الاتساق يتجلى فى قصيدته “أربعاء الرماد” التى توحى بحب السيدة مريم العذراء، أيقونة العفة التى تجسد حقيقة الإيمان، كرمز، كما جاء فى “القرآن الكريم”. تقول بعض أبياتها:

الزهرة الوحيدة

هي الآن الحديقة

التى ينتهى عندها حب الجميع

ولعله من نافلة القول، ذكر أن إليوت الذى اضطلع كغيره من الغربيين على فلسفات الشرق وثقافته يجئ هنا ليس فقط لآنه استلهم شعراء عظام كثر، شرقًا وغربًا ولكن لآثره على الثقافة والأدب العربى كما هو مذكور. غير أن هذا لا يُنسي مكانة شعراء رموز كشكسيبر مبدع “روميو وجوليت” وجوته صاحب “الديوان الشرقى للمؤلف الغربى” أو شيلى، رامبو، لوركا، ريلكه وغيرهم. بيد أن كل ما ذكر لا يغني بدون الإشارة لاستلهام الفنانة لتراثها العربى حيث “الشعر ديوان العرب” وحيث موطنها الذى عرفت عبره “المعلقات السبع” التى زينت أقدس البقاع زمنًا فكان أمرؤ القيس وليلى، عنترة بن شداد وعبلة وجميل وبثينة وغيرهم من الشعراء والعشاق قبلهم وبعدهم. وحديثًا من لم يسمع بقبانى، الفيتوري ودرويش والبياتى وغيرهم؟ لا شك أن الأمثلة المعبرة عن عيون الشعر العربى فى هذا الباب وغيره لا تحصى، لكن وفقًا للسياق العام لمقصد هذا المقال والمعرض، يجدر الاستشهاد بقصيدة “بانت سعاد” لكعب بن زهير فى مدح الرسول الكريم إذ يقول:

بانت سعاد فقلبى اليوم متبول

متيم إثرها لم يفد مكبول

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

إلا أغن غضيض الطرف مكحول

هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة

لا يشتكى منها قصر ولاطول

خلاصة القول، أن أعمال المعرض التى تناغمت مع عبقرى الشعر جاءت بعنوانين كأنها أسماء قصائد وأنها شاعرية مظهرها تذكر بأعمال فنانين مثل جوستاف كليمت الرومانسى وسلفادور دالى السريالى. من بين هذه الأعمال:أعماق، زهور محفوظة بتقنية الناوفريز الدائمة، ٩٠ف٧٠/ لحب في زمن الكورونا، ٧٦ ف ٧٦، أكريليك وكولاج وخامات أخرى / العزف على أنغام الحياة، أكريليك، ٦٠ ف٦٠/ غرق، أكريليك وخامات أخرى على كانفس، ١٠٠ف ١٠٠/ يا ذكراك، أكريليك، ١٠٠ ف١٠٠ / عزلة، أكريليك وخامات، ٧٠ ف٩٠/ طيف ذكراك، أكريليك وخامات، ٧٦ ف ٧٦/ أعطنى الناى وغنى، أكرليلك، ١٥٠ ف١٢٠/ خذني إلى عالمك، ١٠ ف ١٠، حبر على ورق.  تقول المشهدي عن معرضها: “هو دعوة للإبحار بين مفردات العشق وتحريك القلوب الساكنة. هو دعوة لكل عاشق يعى ويدرك العشق بنعيمه وجحيمه” ولعلها تقرأ بهذا ما بين سطور قصيدة “معزوفة إلى درويش متجول” للفيتورى و”قمر شيراز” للبياتى اللتان منهما على التوالى:

فى حضرة من أهوى

عبثت بى الأشواق

حدقت بلا وجه

ورقصت بلا ساق
……..
عشقى يفنى عشقى

وفنائى استغراق

مملوكك لكنى

سلطان العشاق.

أجرح قلبى، أسقى من دمه شعرى، تتألق جوهرة فى قاع النهر الإنسانى، تطير فراشات حمر، تولد من شعرى، امرأة حاملة قمرًا شيرازيا فى سنبلة من ذهب مضفور، يتوهج فى عينيها عسل الغابات وحزن النار الأبدية، تنبت أجنحة فى الليل له، فتطير، لتوقظ شمسًا نائمة فى حبات العرق المتلألئ فوق جبين العاشق، فى حزن الألوان المخبوءة فى اللوحات: امرأة حاملة قمرًا شيرازيًا، فى الليل تطير…

فى ختامه لابد من قول إن هذا قليل من كثير يمكن قوله بشكل عام، عن معرض “عشق” أحلام المشهدى وفنها ذى المعانى فى وقت اختلط فيه الحابل بالنابل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*