أنهار هوساوي..بلاغة الألوان وفصاحة التشكيل ورقي الحوار بلا كلمات

0

“لتنمية فكر ناضج، ادرس علم الفنون…ادرس فن العلوم…تعلم كيف تبصر…وأدرك أن كل شيء مرتبط بكل شيء آخر”

ليوناردو دافنشي

لوحاتها رسائل بصرية متقنة، ذات تكوينات ضاربة العمق تعانق فيها الخبرات الحياتية الموروثة والهاجعة في ثنايا اللاشعور واللاوعي الجمعي، الثقافة الفنية المتخصصة والدقيقة التي تراعي الخطوط والمنظور واللون والضوء فهي باحثة ماجستير في كلية التصاميم والفنون جامعة أم القرى، وهي المتخصصة في التربية الفنية، الحاصلة على دبلوم التصميم الجرافيكي، منسقة العلاقات النسائية في الجمعية السعودية للفنون التشكيلية(جسفت)فرع مكة المكرمة، وهي التي مثلت بلدها بأعمال الخط العربي والفن التشكيلي في جامعة كابريتون بكندا، وهي صاحبة أرقى المقالات النقدية العلمية، المهتمة بثقافة بلدها تحملها أينما ذهبت داخل الحدود أو خارجها.

عند الوقوف على أعتاب عوالم الفنانة السعودية (أنهار هوساوي)-أقول عوالم وليس عالم لأنها بما تخلقه من رؤى بصرية ومن سعة خيال وموهبة تجعلها تصيغ في كل لوحة من لوحاتها عالمًا قائمًا بذاته له مفرداته وتفاصيله وحياته وكأنها تعيد صياغة الحياة وسبكها لوحة تلو لوحة/مرة تلو مرة – تتنقل برشاقة ووعي بين مدارس الفن التشكيلي تعبيرية وتأثيرية وتجريدية لتبث في لوحاتها من ذاتها ومن روحها.

لوحة الفنانة أنهار هوساوي، لغلاف رواية (سرنادا) للكاتب محمد فلاتة

تغرف الفنانة (أنهار هوساوي) من كامل الألوان، تجيد العمل بمداليل الألوان، تعبر فرشاتها بحرفية بين تناقضات الألوان مستفيدة من الجماليات اللانهائية للطاقة الضوئية لتقدم لمتلقيها موسيقى لونية تتناوب فيها الألوان لتستقطب حزمة من التشكيلات اللونية القوية لتتلاعب برشاقة بأبعاد الفراغ والعمق من خلال هارموني لوني مترابط داخل خبرة جمالية تحدها معاييرها الخاصة التي تخلخل عبرها التراتبيات القديمة مستبدلة إياها بمساحتها الفريدة المتوازنة العناصر والتفاصيل مما يجعلها تستأثر بعين المتلقي كمرحلة أولية للولوج إلى وعيه الكلي في إطار عملية تلقي شاملة ترضي الحواس وترضي الروح فألوانها لا حيادية، صاخبة حد التمرد والضجر أحيانًا ضمن منهجية تتداخل فيها الألوان وتتخلق بشكل يلقي على اللوحة الفنية بعض من غموض يوظف في ثناياه رموز تدفع قارئ العمل الفني للغوص داخله لاستجلاء معانيه فتصبح لوحاتها مزيجًا من المتعة الجمالية الصرفة والنشاط الذهني في منظومة من أفعال  التلقي الواعية والحساسة في آن معًا.تواكب الفنانة (أنهار هوساوي) الثورة الرقمية في عالم الإبداع في الفن التشكيلي مقتحمة بعمق علمها وقوة موهبتها حدود الواقع الافتراضي جاعلة منه مادة جديدة وبكر للإبداع التشكيلي فاستخدمت الكومبيوتر كأداة إبداعية والتكنولوجيا الحديثة أفقًا غير محدود للتعامل مع الافتراضي ليتحول بدوره إلى تشكيل جمالي كامل أخرجت به لوحاتها من الفضاء المعهود باتجاه فضاءات رحبة لامحدودة، نتجول في ثنايا اللوحات الرقمية للفنانة (أنهار هوساوي) نكاد نلامس ثنايا الضوء وطيات الطبقات اللونية نقف أمام تجليات الشكل والتكوينات المبهرة خالقة فضاءات لمسية بالتوازي مع الفضاءات العينية-نسبة إلى العين- تجمع ما بين الضوئي واللوني والحركي لنجد أن العين تلمس وأن اليد ترى في مفارقة إبداعية شديدة الاحترافية والرقي.

في الديجتال أرت الخاص بالفنانة (أنهار هوساوي) لا تستخدم الفنانة السعودية الإمكانات الهائلة للثورة الرقمية استخدامًا سطحيًا ينتج لوحات مبهرة وفقط، فهي تخلق أبعادًا تشكيلية مستخدمة فيها مفردات إبداعية جنبًا إلى جنب التقنيات الفنية الحديثة كاشفة عن كل جوارح ومشاعر الفنان في داخلها لتكون لوحاتها في أحد تجلياتها ترجمة عصرية للحركة التشكيلية بمدارسها المألوفة.
تبدو كل لوحة من لوحات (أنهار هوساوي) معزوفة موسيقية لها نوتتها الفريدة ولكن يجمع بينها رهافة حس فائقة كعنصر مانع /جامع /دال على شخصية الفنانة السعودية، وفي أحد لوحاتها نجد تجسيدًا حيًا لهذه المعاني ففي إبداع تجسيمي معبر نجد (هوساوي) ترسم فنانة يفيض وجودها عشقًا وهي تحتضن آلة الجيتار خاصتها تكاد تتعلق بأوتاره وكأن حدود العالم الواقعي يقف عند حدود هذه الآلة الرائعة وهي هنا تعرضه بوصفه شخصية مستقلة بذاتها تقف رأسيًا كإنسان يحتوي العازفة وليس العكس، استخدمت (هوساوي) اللون الأحمر القوي في الآلة وكأنها تريد أن تخبرنا عن عشق ملتهب وولع لا يخبو لهيبه “بمرآة  القلوب الحالمة” وتركت في ظلال العينين المغمضتين للعازفة مساحة هائلة لحلم مفتوح على كل الإمكانات، يستحوذ كلاهما على الآخر الفنانة على الآلة، والآلة على الفنانة وكلاهما يحوي الـ “أنثوي” و “الذكوري” في المستوى الأعمق من عملية التلقي، أنهما تكرران رمزيان لمعادلة الين واليانج الشهيرة، يكملان بعضهما البعض دونما مواربة وبصخب ووضوح فضحته الألوان القوية الرائقة غير المحايدة التي تتناقض وبشكل واضح مع رمزية الوقفة السكونية الرائعة لتعانق العازفة مع آلتها /الحبيب في علاقة وجودية أزلية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*