طلاقة الموهبة وتعدد الإمكانيات يجعلان التشكيل قيمة جمالية مطلقة
كتبت/ سمر العربي
“يوجود في البحرين مجموعة من الفنانين أرادوا الحفاظ على نوع معين تكون له طبيعته الخاصة التي تتخذ المشهد من الطبيعة، ولكنهم لم يقوموا فقط بنقل المنظر الطبيعي بل إنَّ بعضهم أضفى عليه اختزالاً ولونًا معاصرًا، فالفنان البحريني هنا مع إبرازه وتحقيقه بيئته وكيانه يبرز هذه المعطيات، والأدوات في تحصيل اللوحة بتشكيلة معاصرة تتوازن مع اللوحات العالمية في كل مكان في العالم” الفنان عبد الكريم البوسطة.
في هذه التقديمة الجامعة/المانعة للفنان التشكيلي القدير والرائد (عبد الكريم البوسطة) التي يعلق فيها على حركة الفن التشكيلي والفنانين البحرينيين نكاد نلحظ تطابقًا عميقًا مع حال الفنانة البحرينية القديرة (فريدة درويش) التي مارست الفن منذ نعومة أظفارها حيث طغت الموهبة الفطرية ثم تتلمذت وتدربت على يد عمالقة ورواد الفن التشكيلي البحريني ومنهم الفنان (عبد الكريم البوسطة)، والفنان (راشد العريفي)، والفنان المخضرم (عباس الموسوي) لتصبح بدورها الآن رائدة معاصرة ولونًا فريدًا يأخذ العين داخل المساحة العريضة المسمى حركة الفن التشكيلي البحريني الراهنة.
للفنانة (فريدة درويش) أوجه كثيرة تتعدد بتعدد الزوايا التي ترى من خلالها لذا وجب على من يتصدى للكتابة عنها أن يكون شامل الرؤية بقدر حرصه على دقة التفاصيل، فهي المتعلمة والمعلمة فقد أخذت دورات تعليمية في طوكيو وألمانيا في فن البورسلين وفي ذات الوقت أعطت دورات للمبتدئين فيه، وهي نجيبة الأساتذة الرواد في الحركة التشكيلية البحرينية التي خرجت إلى النور رائدة بدورها، تحمل في وعيها الخصوصيات الجمالية لوطنها البحرين دونما انغلاق لأنَّها وبحواسها المفتوحة على العالم تزاوج بين هذه الخصوصية اللونية والمكانية وبين عولمة الفن المترامية الأبعاد ولها من المشاركات في البحرين ومصر والأردن والهند وغيرها ما يشهد على ذلك.
تحترف (فريدة درويش) الرسم على القطن والحرير والزجاج والبورسلين، تجيد التطريز كما تبدع في الفن التشكيلي وبنفس المهارة الأدائية العالية تستخدم أناملها الألوان الزيتية كما الألوان الأكريليك.
رغم وضوح المنهجية التي تميز أعمال الفنانة (فريدة درويش) فلا يمكننا أنْ نغفل أنَّ هذه المنهجية ذات تقنيات مختلفة وأدوات متنوعة، في لوحاتها مخيلة بصرية مذهلة وشاسعة تمد جسورًا بين مفردات العالم الواعي و دفقات عالم اللاشعور مشيدة ما نستطيع أنْ نطلق عليه متحفًا بصريًا يتشكل من مدخلات الحواس المرهفة للفنانة فنجد في هذا المتحف أفكارًا وفلسفة ووجهات نظر وقيم جمالية وتقنيات تشكيلية من خلال لغة تصويرية تقدم لوحات تفيض بالبساطة والتناغم وتبدع في تركيب طبقات الألوان وفي خلق مساحات من النور والظلال لتترجم رؤيتها البصرية في لوحات وافية جماليًا.
تستخدم الفنانة (فريدة درويش) الألوان كقوة بنائية كبيرة تصل بها إلى أعلى درجة في القيمة الجمالية لأعمالها الفنية رغم أنَّها غالبًا ما تستخدم ألوانا طبيعية هادئة أقرب إلى الألوان الأرضية، من الأصفر بتدرجاته إلى البنيات وايحاءتها لكنها من خلال هذه التدرجات اللونية تخلق في أعمالها إحساسًا قويًا بالحركة في هارموني وقور بين المضيء والمعتم.
للفنانة (فريدة درويش) إسهام لافت في اللوحة الحروفية فهي تستخدم الخط العربي بشكل مفارق غير اعتيادي وتستخدمه في خلق توليدات حديثة فلا تتوقف في استعمالاته عند أبعاده التراثية أو الدينية وهي بهذه التوليدات الحديثة تخرج باللوحة الحروفية إلى نطاق الفن الحديث، فهي تضع بناءًا تشكيليًا للخط العربي منتهجة سبلا جديدة تجعل اللوحة الحروفية معاصرة دون إغفال عنصر الأصالة وفق منظور ثقافي عالمي يستطيع الوصول لمجموعات متنوعة من المتلقين ببساطة ويسر كما استطاعت (فريدة) أنْ تخلق صلة وثيقة بين الكتابة والرسم مستخدمة تدرجات لونية بينما تغير في سماكة الخطوط لتخلق تعالقًا بين المادة الكتابية والمادة التصويرية.
لا تتوقف الفنانة (فريدة درويش) عن استكناه طرق جديدة وأساليب فنية متنوعة، فالفن عندها أداة ووسيلة وغاية وواقعًا وحلمًا وآفاق لا محدودة، تخوض في خلفيات الفن كما تخوض في أبنيته، واضحة بغير انكشاف، وقورة دونما ملل، مجددة بلا قطيعة مع الجذور.
الفنانة البحرينية (فريدة درويش) هي خير سفيرة لبلدها، كما كان لانفتاحها على الحركات التشكيلية في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي أثر كبير في صياغة أعمالها التي وإنْ احتفظت بروح انتمائها إلا أنَّها تحمل صبغة كونية وسيعة ووثيقة الصلة بحركة الفن التشكيلي الحديثة مواكبة إياها بطلاقة.
بالحديث عن بعض مشاركاتها فقد شاركت (فريدة درويش) في فعاليات متعددة في معظم دول العالم من أجل التدريب واكتساب الخبرة والتعرف على غيرها من فناني الخليج والوطن العربي والعالم، ففي عام 1995 في إيطاليا شاركت ملتقى فني وقامت مع غيرها من الرسامين بالرسم المباشر في ساحة (سان ماركو) لصالح جمعية خيرية، وفي عام 2000 شاركت فناني فرنسا وفنانين من مختلف دول أوروبا ودول العالم فعاليات تشكيلية في بلدة (ميرماند) جنوب شرق فرنسا وكانت هذه المشاركة صدفة وبلا تخطيط وغنية بالخبرات. أما على مستوى دول الخليج والمنطقة فمشاركتها لا تتوقف فعلى سبيل المثال لا الحصر شاركت (فريدة) في معرض جدة، الرياض، ومعرض جمعية المرأة الأمريكية، معرض جامعة فيلادلفيا بالأردن، معرض جاليات عربية في دبي، معرض اوستراكا بمصر، معرض النبطية بلبنان، معرض هلا فبراير بالكويت، معرض دبي العالمي، ومعرض أرت سبايس إلى جانب عدد من المشاركات في دولة البحرين على مر السنين.