لمياء عوض..ما بين النخبوي والشعبي جماليات التشكيل في صراع الأضداد

0

“إني أعمل دائمًا ما لا أَستطيعُ عمله لكي أتعلّم كيفية عمله، بعض الرسامين يحولون الشمس إلى بقعة صفراء، والبعض الآخر يحول البقعة الصفراء إلى شمس، سر الفن يكمن في أن تَجِد بدلا من أن تبحث، كل طفل فنان، المشكلة هي كيف تظل فنانًا عندما تكبر.”

بابلو بيكاسو

تتمايز الفنانة التشكيلية السورية (لمياء عوض) بما تبدعه من طروحات بصرية متنوعة مليئة بالاستعارات الجمالية تقوم بتحويلها من عالم الواعي إلى عالم اللاوعي وبالعكس مدفوعة بتوجهاتها الفلسفية والفكرية محولة إياه لتجليات بلاغية متعددة الطبقات والمستويات مستدعية مجموعة كبيرة من المهارات المغزولة بعناية مع ثقافة واسعة لتحقق معنى مفعم بالدلالات والإشارات داخل سياقات تمضي داخلها مستمتعة إلى ما وراء الأشياء لترسم العالم المحلوم به وتوثق – بمعنى ما – المشتهى والمرغوب في لوحاتها التشكيلية ساعية وراء الجوهر المشع في التجارب الإنسانية، محققة في سعيها الفني الدؤوب من خلال ريشتها مقولة الفيلسوف الوجودي الشهير (جان بول سارتر) بأن “الواقعي لا يمكن أن يكون جميلا”.نجدها تنخرط في عملية إبداعية تربط الجمال باللاواقعي لكنها عند مرحلة ما من مراحل العملية الإبداعية تستدعي كل طاقاتها وإمكاناتها المذهلة لتميز بدقة الجراح ما بين مستوى الحلم ومستوى الفعل فتنتج محض جمال ينتمي بشكل مبدئي إلى عالم المخيلة الحرة المتمردة بألوانها الصاخبة الحية حد الحياة، فيكون التخيل فعلا حرًا يطرح جمالا يرفض قبح الواقع لكن بالاشتباك معه وليس بتجاهله فنطالع في لوحاتها ما نستطيع أن نطلق عليه “تعليقا للوجود الحقيقي” وهي تقوم بذلك داخل كل متكامل مشحون بعمليات إبداعية دينامية مترع بجهد تركيبي هائل من الألوان والطبقات المتعددة واحدة تلو الأخرى كي تستدرجنا بنعومة لنتذوق معها نوعًا جديدًا من الفن له لغته الخاصة من الرموز والأشكال التي تستهدف بدورها إنجاز شكل من المعقولية الممتعة داخل بناء فني ذهني يفرز مفرداته المميزة في عالم له كينونته الفريدة.تختار الفنانة السورية (لمياء عوض) أن تحمل كل همومها الجمالية والوجودية والفكرية لتغزل بها جمالا يتموضع بالقرب من العامة بحيواتهم اليومية لتكون هي وأعمالها الفنية إحدى طروحات العلاقة الجدلية المعقدة ما بين النخبوي/الشعبي، المعقد/البسيط، المجرد/المتجسد، الثابت/المتحول باختصار هي إجابة وافية لصراع الأضداد حيث يهجع العقل راضيًا تاركًا للعاطفة فرصة للتأمل والإشباع المستفيضين.

ولتصل (لمياء عوض) إلى تلك المرحلة فإنها اختارت “البوب أرت” كرؤية تجريبية تقدمية قريبة من الجمهور فهي بذلك تحول رؤيتها الوجودية الموصوفة في منتجها الفن تجاه (البوب أرت) بحيث نلمس في منتجها المبدع وجودًا متحولا ذا إمكانات مفهومية شعبية كثيفة تستعير من لغة الشعر تلك القدرة الهائلة على التأويل والتكثيف في ذات الوقت لتخرج بوداعة عن النسق المألوف للوحات التشكيلية باتجاه تجريب متمرد محسوب العواقب لا يجرح العين لأنه قريب إلى المألوف، ففي عالم (لمياء عوض) كثيرًا ما نشاهد وجودية كثيفة أليفة للحياة المعاصرة كما تخبرها حواسنا الخمسة لكن بأبعاد إدراكية مغايرة.تقوم الفنانة (لمياء عوض) بإعادة تشكيل للواقع المعاصر في تكوين داخلي للوحاتها نشاهد فيه الحدث ونتابع الحركة ونقف على أعتاب سرد بصري يرقى إلى مستوى الدراما المجردة أحيانا تعبر بها عن مزيج من المفاهيم التي تتوافق مع ما ينطوي عليه عصرها والمفاهيم المطلقة للإنسان ووجوده في هذا العالم.
رغم الاهتمام بفن “البوب آرت”، و”الاستريت آرت” البادي في أعمال (لمياء عوض) الأكثر حداثة إلا أننا نجد في إعادة التقييم البصري التي تقوم بها للعناصر البيئية يغلفها غلالة رومانسية شفيفة حالمة وذلك رغم تجريبية الألوان المستخدمة في توليفة بديعة تجمع ما بين مدارس الفن التشكيلي وتحمل بصمة مميزة لريشة (لمياء).

بمجرد الولوج إلى عالم (لمياء عوض) التشكيلي نجد أنفسنا داخل شبكة معقدة من الرسائل والعواطف، تبدو لوحاتها كاحتفاليات ملونة رغم ما تطرحه من مشاعر بعضها مؤلم لكنها تحتفي بالوجود الإنساني، والكثير منه أنثوي الطابع والتكوين، بوجوه ذات ملامح شرقية وعيون شاخصة متحدية حتى و هي مغلقة لا تعرف الاستسلام، في كل هذه الوجوه الواضح منها والمخفي داخل ثنايا التشكيل البصري نجد ثمة ملامح تتشابه مع الفنانة (لمياء عوض) نفسها وكأنها لا تنفك ترسم نفسها مرات ومرات وكأنها تستبطن نفسها في حالات متعددة ومختلفة تشكل كل واحدة فيها استكشاف لكينونة ووجود لتتقاطع الحيوات الخاصة والعامة في تشكيل جمالي لانهائي الاحتمالات.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*