راغدة حافظ … عن العشق والهوى في الفن التشكيلي

0

كتبت/ سمر العربي

“إذا أحببت الطبيعة حبًا حقيقيًا ستجد الجمال في كل مكان، وأنا أحب الكثير من الأشياء، ففيها تكمن القوة الحقيقية، ومن يحب بقوة في إمكانه أنْ يصنع الكثير، وما تنجزه بمحبة لا يوجد له مثيل”

فنسنت فان جوخ

ربَّما يكون الحب والعشق هما كلمتا السر في فهم طبيعة أعمال الفنانة التشكيلية السورية المقيمة بمصر (راغدة حافظ)، فعشقها للفن شكَّل أهم ملامح شخصيتها التي تتجلى كما سنرى في لوحاتها، فكأنَّ هذه اللوحات التي يقع معظمها في إطار البورتريه الواقعي الانطباعي هي سيرة ذاتية للحياة الفنية والإنسانية لراغدة حافظ.

تخفي الوداعة والرصانة  اللذان هما غالبًا أول ما يطالعان العين حين النظر للوحات الفنانة (راغدة) أحاسيسها الفورية المعبرة عن عذوبة رؤيتها للواقع من حولها، نكاد نستمع في لوحاتها إلى براعة الإيقاعات التي ترسمها فرشتها بمنتهى التجرد والبساطة والرقة فتصبح كل لوحة سيمفونية تفيض بالهارموني وهي العاشقة للموسيقى حتى لقد ساهمت أغنيات السيدة (أم كلثوم) والسيدة (فيروز) و(فريد الأطرش) فى خلق رابط إنساني عميق بداخلها رابطًا إياه بمرحلة الستينيات وهي المرحلة التي نستطيع أنْ نطلق عليها بالنسبة إلى (راغدة حافظ) مرحلة التكوين على مستويي الوعي والفن فكانت أول محاولة لها لوحة لوجه الزعيم العظيم (جمال عبد الناصر) والتي عرضت بمدارس دمشق حينها.

للوجوه التي ترسمها (راغدة حافظ) جاذبية الواقعية والبساطة هي ليست وجوهًا مفارقة لكنها وجوه لها سحر الألفة وبها من الخفة والحيوية النابعة من مهارة استخدامها للنور والظل وكأنَّما هي بفرشاتها البادية الأثر استطاعت أنْ تخلق حوارًا شديد الفاعلية والعذوبة بين مساحات الألوان وتدرجاتها من ناحية وبين ما تصنعه هذه المساحات اللونية من ظلال وأنوار من ناحية أخرى فتكتسي لوحاتها بتجدد واستحضار الفعل المضارع عندما يحكي.

الألوان في لوحات (راغدة حافظ) نقية وصافية ورغم أنَّها حزينة إلا أنَّنا نجد دائمًا الأمل بارقًا في ثنايا الألوان التي تسجل بها (راغدة) المشهد بعين ثاقبة سريعة البديهة تخلق مساحات لونية فسيحة تحصل بها على التأثير البصري للأشكال بطريقة خلابة وذلك عن طريق ضربات فرشاتها التي أتمت بواسطتها أفضل تمثيل لترددات الألوان.

الفن التشكيلي هو المآل الثابت والوحيد للفنانة (راغدة حافظ) فمهما تفرقت بها السبل إلا أنَّهما دائمًا على موعد فرغم أنَّها ابتعدت عن الفن برهة وأخذتها الدراسة بعيدًا فهي حاصلة على ليسانس حقوق من جامعة دمشق إلا أنَّها عادت لتدرس الفن التشكيلي بشكل شخصي وعبر ثقافتها الواسعة اطلعت على مدارسه الكثيرة بكل تنوعه، فاستهواها (فينسنت فان جوخ) بمعاناته وحياته المؤلمة وحزنه، ولأن الموهبة ملازمة لصاحبها مدى الحياة فقد تتالت الأعمال التشكيلية للفنانة بل وأصبحت معظمها مقتناة من قبل محبي فنها.

لدى الفنانة (راغدة حافظ) نظرة مختلفة لجمال الوجه الأنثوي، فهي تحاول إبراز جمال الروح والنفس معًا بالإضافة لقدرتها الكبيرة على التقاط الحالة الداخلية الروحية/الإنسانية لوجوهها التي تبدو في معظمها متأملة، هادئة لكنها غير مستكينة، كما أنَّ للعين عندها تقديرًا خاصًا فأعين نسائها متحدية رغم الحزن الواصل حد تلألأ الأدمع أحيانًا، إنَّها أعين تسبر غور الروح، نسائها ذوات ملامح شرقية في الأغلب بجبهات عريضة وحواجب مذججة، رؤوسهن عالية في وضع مستقيم ذات تقاطيع تشي بجمال نبيل مفعم بالبساطة والرقة بالإضافة إلى نسائها الأفريقيات التي ترسمهن أقرب إلى الأميرات أو إلى الربات ببشرتهن الداكنة ونظراتهن الواثقة وشعورهن القابعة تحت أغطية للرأس تعكس التميز الانثربولوجي لهن.

حصلت الفنانة (راغدة حافظ) على الجنسية المصرية وعاشت في مصر حيث افتتحت مرسمًا لها بمدينة الشروق كنشاط فني لتعليم الاطفال المباديء والأسس الأولية للرسم لكنها انطلقت بمرسمها نحو آفاق إنسانية وتجريبية أوسع حيث تدرس حالات خاصة لأطفال موهوبين من ذوي الاحتياجات الخاصة واستطاعت بفطرة الفنانة لديها أنْ تكتشف جوانب من الإبداع العبقري لدى هؤلاء الأطفال.

يتم اقتناء لوحات الفنانة (راغدة) على نطاق واسع فلديها لوحات تشكيلية مقتناة بأمريكا -ولاية فرجينيا- وفي الدوحة ودمشق وكذلك القاهرة.

شاركت (راغدة حافظ) في العديد من الفعاليات التشكيلية الهامة منها ملتقى المبدعين الدولي التاسع بدار الأبرا المصرية، الأسبوع العالمي للفنون والثقافة بشرم الشيخ، الملتقى الدولي للفنون والتراث، ملتقى بصمات الفنانيين التشكيليين العرب، معرض (جاليليو أرت) للفن التشكيلي، معرض الكتاب 2018.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*