بالأزرق والأصــــــفــــر: الفنانة حصة كلا…سفيرة القوة الناعمة

12/7/2021

0

عندما صاغ المفكر (جوزيف ناي) مفهوم القوة الناعمة في العام 1990 لم يكن في مقدوره أنْ يتخيل أنْ يمتلك هذا المصطلح كل هذا الرسوخ والسيطرة على الذهنية والوعي الجمعي الإنساني العالمي، فقد أصبح امتلاك القوة الناعمة والتحكم بها هدفًا محمومًا للدول والقادة والزعماء السياسيين.

تعني القوة الناعمة أنْ يكون لدى الدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومباديء وأخلاق من خلال الدعم في مجالات مثل حقوق الإنسان والثقافة والفنون ويتضمن هذا المفهوم القدرة على الضم والجذب دون إكراه ودون أي استخدام للقوة أو العنف كوسيلة للإقناع وكما يؤكد (جوزيف ناي) فإنه في عصر المعلومات الذي نعيشه تعد المصداقية أندر الموارد.

بالنظر إلى هذا المصطلح الهائل من هذه الزاوية يمكننا أنْ نصف أعمال الفنانة التشكلية القطرية (حصة كلا) بأنًها مورد نادر في عصر المعلوماتية فكل لوحة من لوحاتها تشكل أقصوصة جمالية تحمل مفردات الخصوصية الثقافية والمكانية لبلدها فهي تلتقط بدقة متفردة تفاصيل بلدها تفصيلة تلو الأخرى فتمزج المعاصر والحديث منه بالتراثي والقديم، وتصبح بذلك هي ولوحاتها تطبيقًا حيًا لمقولة (جوزيف ناي) عن مباديء القوة الناعمة وأهميتها وتأثيرها، فبدون عناء وبمصداقية شفيفة نرى (قطر) في أعمالها الفنية وحتى لو لم نزر هذا البلد العربي فنحن نكاد نجزم من خلال رؤية اللوحات على أنَّنا نعرفه حتى قبل أنْ تضمنا خارطته وبهذا المعنى تكون الفنانة (حصة كلا) سفيرة القوة الناعمة ويكون هذا المصطلح الحديث هو أحد المفاتيح الهامة لقراءة الأعمال الفنية لـ (حصة كلا).

تتعامل الفنانة (حصة كلا) مع الألوان بحساسية شديدة وترسم بفطرة الشاعر وخبرات الجدات ورهافة الأنوثة، وتعمد في تكويناتها الفنية إلى عدم التمثيل وإلى عدم الموضوعية تاركة مساحة عريضة لمتلقى أعمالها الفنية لرؤيتها وتفسيرها بنظرته الخاصة.

تدرك الفنانة (حصة كلا) التأثير المباشر للألوان في عملية التلقي الإبداعي الواعي منه واللاواعي فتستخدم العديد من الألوان لكنها تركز في لوحاتها على اللونين الأزرق وهو لون الماء والسماء البارزين في التكوين الطبيعي لقطر واللون الآخر هو اللون الأصفر الذي يرمز لبلدها كما توضح الفنانة.

تستوحي (حصة) أعمالها من عدة دوائر تتقاطع جميعها وتلخص هويتها الوطنية والثقافية والبيئية وتسلم كل منها للأخرى بحرفية وإبداع: الدائرة الأولى هي الموروث الشعبي القطري التي تتسع حتى تسلمنا للدائرة الثانية وهي البيئة الخليجية الأكبر بموروثها وخصوصية تفاصيلها ثم تتمدد هذه الدائرة لنصل معها إلى الدائرة الأوسع والتي يمكن أنْ نطلق عليها الدائرة الأم ألا وهي الهوية الإسلامية التي تحتضن الهويتين السابقتين، تربط الفنانة القطرية الشابة هذه الدوائر بعضها ببعض من ناحية ومن ناحية أخرى تربطها بأطر عالمية وهي تقوم بذلك بمرونة تجريبية وتوليف تشيكلي يؤسس لبيئة فنية وجمالية تجيد الجمع ما بين الخصوصية الثقافية ورؤى التغيير الفني.

التراث والبيئة والتشكيلات الحروفية تعد جميعها محاور تشكيلية لأعمال الفنانة (حصة كلا) وهو ما يعكس حرصها على توظيف الجانب التراثي في أعمالها وإبرازه في أشكال جمالية تستقطب ذوي الذائقة الفنية.

كثيرا ما تعمد (حصة كلا) في أعمالها إلى إبراز جماليات الخط العربي فتكتسب الحروف العربية في تكوينات (حصة) مفاهيمية تعبيرية ذات قوة سردية بصرية فنجد فيها التجريد والهندسة والزخرفة والنقوش والألوان مما يخلق منطقًا فنيًا للوحة الحروفية وهي هنا لا تقدم اللوحات الحروفية باستخدام الخط العربي الأصيل بشكل منبت الصلة بالواقع المعاصر بل تمتزج به فكما تؤكد (حصة) فإنَّ “هذه النوعية من أعمالها تهدف إلى إبراز أهمية القراءة وأهمية اللغة العربية في عالمنا المعاصر، فمجريات العصر وما يشمله من تطورات تكنولوجية لا ينبغي أن يلهي الجيل الحالي عن القراءة وعن التعرف على اللغة العربية بكل ما تحمله من أسرار وتفاصيل”.

أحيانا ما تعمد (حصة كلا) لإنجاز أعمالها من خامات مختلفة وفق ما يطلق عليه (الميكس ميديا) فتنتج تكوينات حروفية تجريدية معاصرة بتوظيف تراث الآباء والأجداد حاملا عبق الماضي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*