المغربي عبد اللطيف بالميلود يقلب بتشكيله الطاولة على القبح المقنع

18/10/2019

0

بقلم العربي الرودالي

الرسم بطبعه أصدق تعبير يحرج كل كلام واللوحة بتموجاتها العميقة، لا تتحدث بالمخاتلة أو توهم بالثرثرة؛ بل بالريشة وصدق الإحساس، رغم انطوائها على صمت بليغ، فالرسم لا يخالف النبض ولا الحس الإنساني، إذ هو كيمياء سارية، يرفض أن يحد؛ لكن لابد للجمال أن يطفو ويرفل في الإشعاع المنبعث من اللوحة نحو كل نظر ثاقب أو رقيق، سواء عبر المحاكاة أو الانطباع أو التجريد، وهكذا تتناسج خطاباته التشكيلية ماديًا تحت سلطة كل الخطوط والألوان، ودلاليًا مع كل لمسة بروح فن وخيال حلم واستلهام وجدان. والعين لا يتنفس باطنها، إلا عبر التأمل فالرؤيا. ففي غمار هذا العالم المكتظ والهيولي، انبعث رسام تشكيلي لا يشبه إلا لوحته ميزته أنه لا يجتر، ولا يكرر مسلك رسمه بريشة ببغاء؛ بل يقفز بانفعاله إلى العمق، قفزات ضوئية، فهو في كل فسحة يعود فيها إلى ذاته، إلا وينطلق إلى تشكيل جديد بمضمون فريد، يتحدث بلغة، حتى وإن تعددت أدواتها فهي ذائبة في بوتقة واحدة ومنصهرة وجدانيًا،  هكذا يحضر الفنان الرسام التشكيلي (عبد اللطيف بالميلود)، خريج تقنية المجال الفني الذي تتهافت على جماليته كل الحواس، وتعشقه كل التفاعلات.

جاء من بلجيكا يتأبط (دبلوم) االتعليم الفني العالي، في تخصص فن الجداريات من الأكاديمية الملكية ببروكسيل..وبالإضافة إلى ذلك فله تكوين علمي تشكيلي،في فن الريشة والألوان، كما جاء مصحوبًا أيضًا باستحقاقات وجوائز:(جائزة الاستحقاق من طرف الأكاديمية العليا للفنون الجميلة ببروكسيل،وجائزة شارل بييلس، أحد رموز تاريخ الفن التشكيلي البلجيكي).

وحين حل بأرض وطنه، المغرب العزيز والجميل، اصطدم بمجال لا يسع حلمًا كاملا، كان قد شمر ساعده لنقل أناقة (الجداريات) بتقنياتها العلمية من أوروبا، ونشر بسماتها المؤطرة في كل ركن طافح بالبياض، ليصبغ الذوق بالانشراح، والتلقي بالاندهاش؛ لكن مع “قحالة” النفوس وجفاف الحس الفني وشح المعارض، إلا على مستوى اللوحات المدللة، انتابته مع عطشه ولهفة تشوقه، صدمة إغماء في ذائقته؛ فلم يستيقظ أبدًا منها، وبقي يحلم بمرحلة بديلة، تحولت إلى تمرد ناعم/قاسي.

  انهمر عشقه بتدفقات ورؤى تتلمس حلم حلمه، مندفعًا بغيرته إلى النقد والانتقاد رغم أن الفن لا يحتمل، لكنه لا يتحمل..بدل حلمًا مشعًا بحلم متجهم، واستمر منطويًا على ذاته أكثر، يبدع من داخلها ذائقته الموشومة براهن الواقع المنغلق… وهكذا أخذ يقتطع من طموحه الضائع انفلاتات تريحه بشاعريتها المخبوءة، فتتفتق فيها جمالية مدغدغة للمشاعر، لكنها تتأسى نفسيًا، خلف هاجس سوداوي في أفق فارغ، إن عالم اللوحة أصلا لا تدرك معه بداية ولا ونهاية، إذ صار يحمل هم البحث عن متلق جديد، معتمدًا التربية على احترام الفن والكشف عن صدقه، حتى ولو خبا على مستوى الدواليب، إنه هم لوحة، من هم انطواء.

بدأت إذن ألوانه وخطوطه وبصمته، تصرخ بصدى تعنت ساخر، لا يهادن بتجريده.. فأحيانًا محتج، وأحيانًا يوحي بالإشراق من صلب العتمة، فعبر التضخيم المجهري، أخذ يكشف عن بشاعة الوجوه، نكاية بعالم مسطح بالأبهة ومجوف بالاستخفاف، وذلك على امتداد فراغ مجتمعاتنا وأوطاننا، ذات الفئات البرجوازية والأرستقراطية..إنه إهمال يعتنق أوثان المال والأعمال لا غير، ويستهين بالفنون، فهذه الأرستقراطية لا تعتبر الإبداع سوى ملهاة مكلفة سياسيًا كالثقافة، وغيرمربحة اقتصاديًا كالتجارة؛ غير أن بيداغوجية مرسم هذا الفنان، صارت بمهارة كفاياتها، تبث تعاطفًا داعمًا مع العين البصيرة والأحلام العسيرة ، إنه الوعي المثار إشعاعه، بين بشاعات قبح وإطلالات جمال، وعبر أوضاع لا تهدأ خلف أحلام اللوحة.

فعلى التأمل الذوقي والنقدي والثقافي عمومًا، أن يفك طلاسم الملامح الغامزة، إن هنا أو في كل عمل فني، إذ هو الكفيل بذلك، ليتم الكشف والاكتشاف في تحاور مع كل الكيميائيات، بهدف تجميع الرؤية التي سنحت لهذه اللوحة اشتغالها خلف الصمت الصاخب…

هكذا وكأن الخطاب الفني هنا يلح على الأمة، بجرأة فائقة، أن تعي ذاتها وتشعر بها ذوقيًا وتربويًا، لتمتلك القدرة، إلى جانب الماديات، على أن تتطور تكامليًا في كل المجالات سواء وطنية أو قومية أو إنسانية، وهذا هو الطريق إلى النهضة الشاملة..فكفانا أقنعة متلابسة.

العربي الرودالي

*ملحوظة:(1984-عرض بقاعة باب الرواح بالرباط)..( 1989و1992- مسرح محمد الخامس بالرباط)..(..1994-قاعة وزارة الثقافة بالرباط)..(..2000 بقاعة محمد الفاسي بالرباط)..(..2006- بقاعة أسيما بالرباط)..(  إنجاز لوحات تربوية تحت إشراف جامعة محمد الخامس)…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*