عبد الرازق عكاشة : كليمت الأستاذ في مواجهة التلميذ شيلي

0

جاءت كلمات الفنانة المتميزة الكاتبة بالأهرام،أماني زهران بنت الفنان العاشق الزاهد المرحوم زهران سلامة؛عبارة عن سهم؛كأنها أسئلة،وليس تعبير عن حالة، تقول الفنانة أماني زهران: “بعشق كليمت واستمتعت بأعماله وألوانه في فيينا على عكس إيجون شيلى، صدمني! عمومًا المقال قصيدة شعرية ملونة ممتعة..تسلم إيدك” كلمات بسيطة لكن الإجابة عليها مهمة جدًا لأنها تفتح تابوت لم نقترب منه. هذا هو تابوت أصل  أزمة اللوحة العربية،لوحة الحامل كما تسمى في بلاد الشام ولوحة الدهان كما في المغرب العربي.

ربما كذلك،فتحت ملاحظة الفنانة أماني تابوت الافنجارد(الطلائعية) التقدم والبحث فغالبًا ما يخيفنا رجال السياسة بالاحتكام إلى رجال الدين والعكس رجال الدين يخيفوننا بالسياسة وقوانين وضعت للمجرمين وليس للمبدعين.فكرت أن أجيب أماني في رسالة خاصة لكن وجدت أن الإجابة حق للجميع فالفرق بين كليمت الأستاذ وبين شيلي التلميذ وكوكوشكا كبير جدًا رغم أن الثلاثة كانوا يرسمون في ذات الوقت نفس الموديل ،يعيشون نفس الهموم،يشربون من نفس الكأس،الثلاثة أحبو امرأة واحدة “نيلي نيلوز”. إذا ماهو الفرق،لماذا صدمنا شيلي؟ ولماذا يرتاح بصرنا على أريكة ألوان كليمت؟ لماذا لم نفهم التلميذ أحيانا كثيرة ويدهشنا الأستاذ بألوانه؛ شيلي عاش28 عاما فقط وكلميت عاش 56 عامًا،رحلا الإثنين معًا 1918. شيلي في أكتوبر وكلميت في فبراير،عام الحرب العالمية الأولى حيث رحلت أو غربت شمس الإمبراطورية الكبرى.

لكن قبل تحليلي واعتمادي على بعض وأهم المراجع الأوربية،يجب أن أذكر رأى كليمت نفسة حين وقف يراقب التلاميذ في امتحان الرسم،نادي شيلي وكوكوشكا إلى حجرة الرسم الخاصه به كمعلم ووجه الكلام لشيلي.(قل لي ياشيلي أين تعلمت الرسم.؟ من زرع في يدك هذه شيطان السرعة ؟جنون الخط، أنا الأستاذ يجب على اليوم أن أتعلم منك هذه السرعة،هذا الجنون. أما أنت ياكوكوشكا الرصين فعلمنا رصانة اللون حدثنا عن الخلطة اللونية المدهشة أنا سعيد أن من بين طلابي الشياطين  كوكوشكا وشيلي ).

هذا هو تواضع الأستاذ كليمت،هذا هو رأي الأستاذ في الطلاب؛ولما لا فهو تربى على يد أستاذ آخر هو”لومبرجيه” الأهم سندًا لكليمت كان الوحيد في الأكاديمية سابقًا “لومبرجيه” يؤمن ويعلم كلميت نفسه ويدبر له ( شغل) عمل يتربح منه مثل الترميم وصناعة الخزف المرتفع الثمن والقيمة قال لومبرجيه  لكلميت وأخوه إرنست الذي التحق بالأكاديمية بعد عامين من التحاق  كلميت بنفس الأكاديمية وقف لومبرجية يعلمهم  ماهو معنى اللوحة قال لهم: “اللوحة ياكليمت وطن العاشقين، كتاب أطلس المسافرين، شمس دافئ المدركين بمقياس حرارة الزمن،اللوحة سطح يكشف كذب مشاعر المزيف،انتبه،إن المزيف سوف يشرح لك ثم يعيد الشرح،فنه كلام ،حكايات وألوانه قصص بلا معادل بصري،أترك المزيف فاللون الضعيف والخط  الساذج  يفضح كذبه. .اللوحة ياكليمت نهر وعمق للسباح الصادق الذي يخطف بصرك في حركة خط جمال لون تجديد روي ،أما الصادق دون كلام سوف يجذب بصرك بصيرتك مرة،اثنين وثلاث مرات،سوف تأخذك أقدامك إلى نفس المعرض،نفس الفنان عدة زيارات،هناك تلتقي مع وجدانك،شاطئ نهر محبتك،وفي مرات أخرى تضغط على قدمك لزيارة معرض تجري أقدامك وحدها مسرعة نحو الباب؛ياكلميت . اللوحة عالم كاشف لمتلقي باحث” .

الفنانة أماني زهران،هكذا كانت تعاليم كليمت سيدتي،فهو ابن شرعي لتاريخ الفن،متسلل طبيعي وإن كان ضمن المدارس المتمردة،تمرده ظل يحكمه إطار،واليوم أنشر مع هذا الفصل تأثير الآخرين على كليمت،أعماله التي تأثر بها من الحضارة المصرية والإغريقية وكيف حافظ على  تعاليم الأب وكيف أحب اللون متأثرا بكل الافنجارد الفرنسيين في هذه المرحلة،ألوان رينوار،البهجة في التصوير،عشق التجديد عند مونية،سحر قبلة رودان .

أما شيلي سيدتي فهو وحيد متفرد ابن الشيطان،متمرد على التمرد ذاته لا يصنف في مدرسة ولا يحسب على تيار؛إنه مغرد وحيد جديد،أعماله بحاجة إلى تجهيز نفسي شديد قبل المشاهدة،هو نادر مثل جوجان والفنان تلوز لوتريك هل يمكن تصنيف هؤلاء ضمن مدراس عصرهم؟ هل يمكن مقارنة أحد بفناني جيلهم،هؤلاء عناقيد شجرة عنب النبيذ الشهي المذاق النادر الوجود  .

شيلي كان يريد أن يرسم ما لم يرسمه أحد من قبل،أراد رسم اللحظة الزمنية تثبت الحالة الحسية عن لقطة نادرة الحدوث  يتوجها الزمن تاج سعادة للمرأة العاشقة،شيلي عزيزتي عاشق فرويد،متذوق،على دراية بعلوم سيكولوجيا الوجع،الفرح،علوم تحليل النفس،لقد أراد شيلي رسم النشوة لحظة اندماج المرأة،المستحيل في رجل الحلم،رسم مالا يرسم من قبل،يرسم حالة الجوع النفسى،يرسم رعشات المرأه، يرسم الدهشة،يرسم لحظات لا تحكي،خربشات المرأة وهي تخط على ظهر رجل قوى،صراخ مكتوم بأظافر شقية جائعة تخط خريطة روح تخرج بهدوء من أعماقها  فتح تابوت يخاف النقاد العرب الحديث فيه  لذا استسهلوا التجريد،وجدو فيه ضالتهم لأعماء  البصرية العربية أو كاتبة الخطوط لسهولة قرأة اللوحة؛تحديد الهوية في ألا شكل،في لوحة بلا وصف حسي أو مشاعر،هنا  الكلام يكون سهلاً،بعضهم أي النقاد العرب نسب التجريد إلى الفن الإسلامي كله هروبًا من مشاعر الجنون والنشوة التي اصطادها  شيلي.

شيلي ياسيدتي خلطة نادرة من الجنون،رسم مشاعر صعب تخليها،رسم الرعب قبل أن ينهار وطنه،رسم الخوف دون أن يكتب لوحة الخائف أو المرعوب،رسم الوجع دون صراخ مثل أدورد مونش،شيلي  حالة من الرغبة من الثورة من الجنون،هو فنان البصيرة وليس البصر،لابد أن نلبس روحه و نحن نشاهد أعمالة،لابد من استحضار لحظات صدقنا النادرة،لقد سجن قبل وفاته بعام و نصف؛سجن ستة أشهر،فهل نعرف لماذا سجن؟ نعم لقد استنفرت خطوطه البسيطة سكان الحي،أشعلت نار الرغبات،فسارع رجال الدين بكتابة التقاريرفيه،خطوطه رأت المحكمة أنها ثورة جسدية شديدة الهياج،إنه رسام الغرائز التي لا ترى بالعين المجردة،الزيارات السريعة تظلمه وتظلمنا معه،ألوانه هي بقع لونية على فراش الحلم تضاهي رعشات النساء الطاهرة؛هو فنان واحد والباقي مكرر وأخيرًا أبلغنا النقاد أن دافنشي عرف سر ابتسامة المرأة في الجوكندة؛وأن شجال كان أحد اللذين قبضوا على الحلم بين كفتي يده؛ لكن لم يتجرأ الكثيرون أن يقولون لنا أن شيلي الوحيد الذي رسم أبعد وأقرب نقطة صارخة  في الأنثى.إنه فنان صعب أن يتكرر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*