قراءة إبداعية عن الشاعرة اللبنانية فاطمة منصور”المسافرة في الحب”

قراءة الشاعر والناقد العراقى طلال سالم الحديثي

0

لعل ما دفعني الى هذا التوصيف لأتخذه عنوانًا لقراءة في شعر الشاعرة اللبنانية فاطمة منصور هو اقتصار مواضيع قصائدها على لون واحد تتوحد فيه ولا تتعداه، ولكنها ( تفلسف ) صوره وتنوعها حتى تشعرنا نحن القراء أن ثمة أوتار متعددة لمعزوفتها الشعرية ، وكذا تستدرجنا إلى مواصلة قراءة قصائدها المترفة بصور شعرية معبرة عنها بلغة مرفرفة تنساب رخية رخاء همس قصائدها العذب المشوب بحس العواطف المتقدة التي كثيرًا ما يدفعها التوترالى الخروج عن المستوى الحسي الى مستوى الخطابية الصريحة التي تتماشى مع الشهوات الجامحة التي لم يخلُ الشعر العربي الحديث منها ، وهي كما يقول عنها الناقد المرحوم د، خليل الموسى، إنما هي تُغري الجانب الشهوي في الرجل ، فتكون سببًا مباشرًا في إنزلاقه من حيّزه المثالي الى حيّزه الواقعي  كتابه( في الشعر العربي الحديث والمعاصر ص 58 ).

ولن أقف طويلاً عند مثل هذه القصيدة التي تضمها مجموعتها ( ارتعاشات عاشقة )، بل أتجاوزها لأبدأ مع ماتريده الشاعرة من كلماتها التي قالت عنها في مقطوعة قصيرة بعنوان ( أنا والكلمات ) تقول :

أعشق عطر الكلمات

أحملها نبضات في القلب

أسكب فيها خمرة حبي

أُلبسها ثوب الدنيا

فأصير الكون، وتصير الدنيا

الشاعرة هنا تتماهى مع قصائدها لأن نبض كلماتها من نبض قلبها تسكب فيها ( خمرة ) حبها لتتوحد معها في وجود دائم تنقله مجسداً بالكلمات على جدار الواقع .

في إحدى قصائدها وعنوانها ( السحر ) تقول :

طيفك كالنورس في أُفقي

يرفرف تيّاهًا ، يدنوني

يهيم فيُكويني

مطلع هذا النص فيه إستخدام رمزي للطير، وهو غالباً ما أُعتبر رمزاً روحياً سامياً ،وفي القرن الرابع عشر كتب الشاعر القارسي الكبير حافظ :

في أعلى الروح السماوية

أنشأتْ روحي الطائرة عشها

طلال الغساني الحديثي:”وللطيور المهاجرة ومنها ( النوارس ) إعتبارها في العصور القديمة كعربات للشمس، وكانت العبادة الشمسية التي تكرمها في ذلك العصر تشرك هذه الطيور في دوراتها وكلها رموز شمسية . واليوم تُفسر مواعيد ذهاب وعودة الطيور المهاجرة كمترجمة حسب الأحوال عن تقدم أو تأخر في تغييرات الطقس، وإن تواجدها في البلدان المعتدلة فأل خير، ولعل الذي يمكن أن أستخلصه من إستخدام الشاعرة لرمز ( النورس ) في قصيدتها هو من باب التفاؤل بعودة الحبيب الذي ترقص له الأمكنة مبالغة في الفرح بعد ضنى الفراق ولوعته .

طلال الغساني الحديثي:” وقد تكون هذه القصيدة قد ججرتنا إلى زاوية مهمة يتجنبها النقد دائمًا وهي زاوية تفسير النص الشعري، لأن الشعر لا يُفسر ، وتفسيره لايزيد في شاعريته، لأن الأهم طريقة التعبير وفنيتها وإيحائيتها وصورها وهي ما ترفعه إلى المستوى الجمالي الذي يحيا به النص . ف (ليس للشعر الحقيقي حدٌ يُعْرَفُ به، سوى أنه يتكون في فضاء غامض، ويظهر في الوجود وهماً أساسه التوهج، ودماؤه العبقرية ، وهيئته الروعة ، ثم إنه لايُُعْرَف إلا بأثره ، من أجل ذلك كان بقاؤه منوطًا بقدرته التخيلية، وما يمكن أن يتركه في نفس السامع من حاجات تشده الى الجمال ووالحب والحلم ) ( في الشعرية ، د. احمد علي محمد ص 15 ) .

وفي قصائد الشاعرة فاطمة منصور مايشدنا الى الجمال والحب والحلم ، فهي ( ارتعاشات عاشقة ) مُترعة بالتخييل والتوهج الذي تتشح به عباراتها من جمال لفظي وتصويري لتسيل رقةً وعذوبةً من دافق عاطفتها ووجدانها بلا تكلف ووإنما بصدق الحس ورقته ، وبساطة التعبير وأناقته . طلال الغساني الحديثي وإذا كان المجاز هو ( القلب النابض لكل جولنب المعرفة المُضية الى الحقيقة ) كما يقول الدكتور الناقد محمود الربيعي فإن مقياس نبض القصيدة النظر إليها بإعتبارها بناءً ( ماثلاً ) من الصور المجازية ، يتجه إتجاهاً مقصوداً نحو التعبير عن رؤية خاصة للحياة . والموضوع في الشعر ههو ما يصنععه هذا الشعر ذاته، وكل قصيدة جيددة تقدم موضوعها الخاص . في قصيدة للشاعرة بعنوان ( أحلم ) تقول :

ياأيها الليل كم تشبه حبيبي ؟!

إنها ليلتي

طرقت قطرات المطر

على شباكي

وخيال يركض صوبي

فتح الباب وارتمى باحضانني

عانقته .. قبّلته

وبحضنه أعلن أواني

وبلهيب دفئه أغواني

واستعرت بي

نار أنفاسه

ياأيها الحلم !

إنها قصيدة مليئة بالحركة ، حركة الصورة التي ترسمها الكلمات للحبيب الغائب، وحركة اللهفة والشوق لذلك الحبيب المُنتظر وما يرافق الأنتظار من مشاعر مشبوبة تستفز النفس بالأنتظار القلق عبر صورة مجازية ترسمها مخيلة الشاعرة .

وفي قصيدة أخرى عنوانها ( زوايا الذاكرة ) تقول :

أيها الساكن خلف الحلم

المُتلاشي في زوايا الذاكرة

كأني معك

أجمع لك إشتياقي

حطباً

تحرق فيه صدري

لوعةً وحنينًا

وتتلظى النارُ

في مهجتي

حباً

وعطرًا فاحرًا

وكما يلاحظ القارىء فيضًا من الشعور الصادق والحس المُرهف يتدفق بعفوية بعيدة عن الزخرفة والتصنع لأنه فيض الوجدان بلا تكلف ، وإنما هي العاطفة تندفع لتعبر عن فطرة ملتصقة بالنفس والروح.

طلال الغساني الحديثي وبمثل هذا الصفاء والتسامي تنساب قصائدها التي تضمها مجموعتها ( ارتعاشات عاشقة ) التي لا أشك في أنها ستحتل موقعًا في ذائقة القراء يتناسب وعذوبة ما فيها من شعر هو من همس الوجدان الصادق الذي يجد فيه القارىء صفاء العاطفة وصدقها وعفويتها وهو ما يُضاعف تقبله لمثل هذا الشعر الذي تقوى به معاني الحب وتضاعف إلتصاقه بالنفس والحس والشعور، وأخيرًا ها هي تقول:

حين أُحبكَ

ستتسامى فخرًا

فتطاول نجمي

وتأخذ من شمسي

ضوءًا للروح الهائمة

في دوامة عشق

سأمنحك

شاطىء روحي

ظل نخيلي

واضعة بين يديك ثماري

فاعرف كيف تُحب

إذا ما أدخلتك مداري

وبعد .. فهذا شوط مع الشاعرة في سفرها الطويل على طريق لن ينتهي ، فهي المسافرة عليه بقصدية العشق وسموه وصفائه .

طلال سالم الحديثي دمشق 26/ 12/ 2017

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*