أتشرف بالإجابة على هذا السؤال لأستاذ حقيقي،عالم في بحر اللون ،فنان ذو قيمة وقامة وأحد المجددين والتجريبيين المصريين العرب الكبار .
أولاً:
كوكوشكا ولد في النمسا وانضم في البداية إلى كلميت وشيلي متمردًا على التعبيرية النمساوية التي استمدت عافيتها من التعبيرية الألمانية في تلك الفترة أي أنه فى الأساس ولد متمردًا انفصاليًا،وهذا ما جعل كليمت أستاذة يدعوه للمشاركة في معرض الانفصاليين الأول في بداية حياة
ثانيا :
كوكوشا بنفسه يقول ” سوف أظل أساعد كل أطفال العالم الذي حولتهم الحرب إلى معاقين وأخرجتهم من المدرسة بسبب النازية” . نلاحظ أن السياسة هنا لها دوربارز .
أما في كتابه”الجريح” يقول الناشر:”الرسام ، والحرفي ، وصانع الرسم ، ومصمم المسرح ، الكاتب والكاتب المسرحي،أوسكار كوكوشكا هو واحد من أبرز الشخصيات في الفن المعاصرشخصيته يصعب اختزالها في اتجاه فني رغم أنه غالبًا ما يتم تصنيف أعماله على أنها تعبيرية”.
لكن بالنسبة لـ أعمال Kokoschka ، لا يمكن أن تتوافق أعماله مع النمط الواحد بل هي بالأحرى أعمال تعتبر (أسلوب حياة فني أصيل)
“أعتقد أن التعبيرية الحقيقية الوحيدة التي يمكن أن يتم تصنيف أعمال كوكوشكا فيها على عجل ودون تعمق لأنه متفرد .
قال الفنان كوكوشكا الرائع:”كلمة التعبيرية هي كلمة مريحة تعني كل شيء اليوم,لكن أنا لست تعبيري لأن التعبيرية هي واحدة من حركات اللوحة الحديثة. وأنا لم أشارك في أي حركة إنما ممكن أكون تعبيري لأنني لا أعرف كيف أفعل أي شيء سوى التعبير عن الحياة ..أما البعد الرابع في لوحاتي فهو إسقاط نفسي داخلي وليس بقصد التصنيف.
هذه الشهادة من الناشر والفنان تساعدنا على فهم أعمال كوكوشكا التصويرية ،يقول إكمالاً في منتصف الكتاب(إن الذين ينتمون إلى أي تيار أو تبني أي موقف بصري متطرف،من الممكن العثور على نقاط التماس مع حركات كبيرة ,أو الجماعات أو الشخصيات الفنية في الوقت نفسه لكن لا يمكن أن تكون قصدية الفنان في الإبداع هي الرغبة في التصنيف .
أعتقد أن الإجابة وضحت من كل الأطراف حتي من الفنان .
كوكوشا المناضل
بعد معرضه الثاني تقرر حكومة لندن إعطاء أوسكار كوكوشكا جواز سفر إنجليزيًا هو و زوجته، لاحظ عدم وجود ألمانيا في خريطة حياته. حصل على جواز سفر إنجليزي لتتغير الحياة أمامه و بفضله يمارس الهواية الكبرى الثانية في حياته بعد الرسم ألا وهي السفر، يسافر في عام 1947 في رحلة طويلة من لندن إلى باريس ، روما ،فينا ، الجزائر ،المغرب ، تونس ، أمريكا ومعظم دول العالم.
و في 1948 يختم الزيارة بمعرض في باريس لكنه لم يجد أي تأييد من النقاد الفرنسيين ولم يبع لوحة واحدة فيعود من جديد إلى لندن يجر الأحزان الهموم خلفه .
السعادة من جديد يا أوسكار
تتجدد وتتغير حياته في الشكل والمضمون نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، فبدأت الحياة تأخذ شكلاً آخر مع الفنان الذي لمع اسمه كثيرًا و أرهقته الحياة أكثر، أكاديمية “دريزد” تتقدم إليه بطلب التدريس فيها كأستاذ شرفيًا حلمه الأول الذي لم يحققه فى فيينا . يأخذ الطلاب يطير في رحلة حول النور عند “رمبرانت” يحلق في عالم الظل يبصر وجدان سيد الظل والضوء.يتحدث ويشرح فهو محب للشرح.
صدمة، سرعان ما يترك التدريس لأن العلاقة الإنسانية غير موجودة بين الناس في مدينة دربزد و بينه ،هو الساخن المشتعل المتحمس صاحب الضربات اللونية القوية الغير منتظمة لكنها تشكل أداءً موسيقيًا يطرب العين أما الإنجليز هادئين باردين.
لذلك ترك كرسي التدريس وعاد عام 1951 إلى فيينا وأنشأ مؤسسة أكاديمية لتعليم الفنون البصرية في فصول الصيف يمارس هواية التنظير في التدريس الذي حرم منه”سابقًا” في هذه المؤسسة يدرس يقضى معظم وقته ثم تنشئ حكومة النمسا في منزله الأول ومسقط رأسه (معهد كوكوشكا للفنون البصرية ) .
هذا يعطيه سعادة كبيرة و تقوم جامعة أكسفورد بتتويج هذه السعادة بمنحه لقب “سير” ودرجة أستاذ شرف في عام 1960.يقول في حفل التكريم: «أتمني أن ينطلق الفن الأوروبي بعيدا ًإلى العالمية الكبرى لكن ينطلق وهو يحمل إرثه الثقافي وتراثه الفكري لربط الأصالة بالمعاصرة من أجل المستقبل .
وفي منتصف الستينيات 1965 تقييم فيينا حفلا ً كبيرا ًو السير كوكوشكا ضيف الشرف للمدينة و يجري احتفال ضخم له ثم يحصل على الدكتوراه الفخرية الثانية من أكاديمية”سالاسبرج” .
و يقول كوكوشكا:”عجبت لك يا قدر…حين ننتظر منك شيئًا جميلاً يأتي العكس و حين ننتظرالعكس يأتي شيئًا مغايرًا تمامًا ”
أثناء تسلمه درجة الدكتوراه من جامعة سالاسبرج كانت يجلس بجواره أحد قيادات الحكومة النمساوية و طلب من كوكوشكا طلبا ًبدا غريبًا أدهشه؛ حكومة النمسا تريد إعادة الجنسية النمساوية لك يا سيد كوكوشكا:” لقد حان الوقت كي تعود إلى جنسيتك النمساوية الأصلية أيها السير العظيم.و لكن لا يحق لك العيش بالجنسية النمساوية وأنت تحمل الجنسية الانجليزية معًا”.
رد كوكوشكا بقوله: هل هذا طلب حكومة النمسا أم رغبة شخصية منك إلا أن الشخص يؤكد أنه طلب ورغبة أهل وحكومة النمسا جميعهم
أنت الآن رمز وطن. ووطن أصبح له رمز .
باريس
عبدالرازق عكاشة