سانا بانو معين أحمد..عندما تتكامل الأضداد داخل تشكيل واحد
كتبت/ سمر العربي
“أنا أتحدث عبر لغة الأحلام الغامضة، وهذا يتم ويمر من خلال الألوان”
هكذا تستهل الفنانة الهندية المقيمة في الإمارات (سانا بانو معين أحمد) الحديث عن نفسها، فتؤكد في معرض حديثها أنَّها فنانة متعددة الأوجه، تعمل من خلال وسائط متباينة، ومروحة واسعة من الخامات والوسائط والأشكال، يمر فنَّها عبر مدارس مختلفة على رأسها المدرسة التجريدية، والمدرسة التعبيرية كما يتجلى واضحًا في لوحاتها المتميزة ورغم التباين والتعدد ومرونتها الواسعة ذات القدرة الكبيرة على التجريب إلا أنَّ الهدف الثابت والأسمى عندها هو “بعث الإيجابية والسعادة” أينما حطت هي أو لوحاتها.
في لوحات (سانا) استراتيجية جمالية تتكرر أحيانًا كتيمات تتناثر مثل كلمات مفتاحية دالة على طبيعة شخصيتها الفنية، خالقة فنانًا تجريديًا مطعمًا بنكهة التراث والبيئة الهنديتين فتقف أعمالها الفنية بمثابة تجربة بصرية رائدة لتكييف العالمي مع المحلي فهي عندما تتجاوز حدود الواقعية تفعل ذلك بسلاسلة ويسر فتحمل المطلق ذائقة النسبي بلا عنت، متخلية عن مبدأ التمثيل ومستغنية عن استخدام الظلال وعن الإيحاء بالعمق باستخدام المنظور مستعيضة عن ذلك بالاعتماد على تصميم أصيل للأشكال مستخدمة خطوط منحنية ودائرية تجعل موضوعات العمل التشكيلي كمنحوتات بارزة رغم تسطيحها.
تبدو الألوان في الإبداعات التشكيلية للفنانة (سانا) عنصرًا مأخوذًا من المنظور الواسع لأناقة كتالوج الألوان الهندية فليس هناك مكان في العالم بأسره يحتفل بالألوان كما تفعل الهند حتى سميت الهند بأرض الألوان.
ألوان (سانا مونا) كألوان أمتها بهيجة مليئة بالحياة وقوية، تحتفل هي بالألوان بمكانيزمات فنية هي الأقوى على الإطلاق حتى أنَّ العمل التشكيلي الواحد عندها كثيرًا ما يصبح مهرجانًا لونيًا يعكس تنويعات ذات أبعاد ثقافية وفنية وحضارية تتحد سويا لتخلق جسرًا إبداعيًا تتلاقى عليه الحضارة الهندية مع البيئة العربية في انفتاح أصيل على المكون العالمي.
تستخدم الفنانة الهندية (سانا مونا) تقنيات متحررة تولد بها اقترانات فريدة للصور المركبة حيث تتلاشى في أعمالها الحدود الفاصلة بين الحلم والواقع وبالتالي بين الشعور واللاشعور، الواعي واللاوعي فيصبح الواقعي والمنطقي في خدمة الإحساس/الحدس مما يغري المتلقي بالولوج معها إلى عوالمها الخيالية الملونة المملوءة بالسعادة داخل مساحات مسكونة بالحركة تتلاشى فيها الحدود بين الزماني والمكاني كما تلاشت من قبل بين الحلم والواقع، فتأخذنا ضربات فرشاتها القوية المبهرة المنسابة وفق خيالات الفنانة المنطلقة بلا حدود نحو كتل تشكيلية مركزية تبدو وكأنَّها بؤر مشعة للطاقة الحيوية فتتخلق موضوعات اللوحة من بعضها البعض وكأنَّما نحن في عالم تحكمه قوانين التداعي الحر، يفصح تارة عن المغزى ويتدلل تارة عن الإفصاح وهو يلوذ بالغموض المحرض على المزيد من الغوص ومن الاكتشاف داخل إطار يصبح الشعور باللون فيه ماثلا أمام العين وغامرًا الحواس.
تطفو المفردات في فضاء لوحات (سانا) حرة ومبهجة باعثة على الحركة والحياة متبعة أسلوب التبسيط والاختزال فتظهر الموضوعات في هيئات بسيطة وألوان مشرقة حتى تتداخل تلك الألوان والأشكال لتكون بدورها موضوعات مركبة أكثر تعقيدًا داخل شبكة من العلاقات تخاطب كل متلق على حدة وتعمل كمرآة عاكسة شديدة الشخصانية والتفرد حتى يكاد المتلقي أنْ يشعر أنَّه بمفرده هو موضوع العمل التشكيلي الذي يقف أمامه.
بمهارة وحرفية عاليتين مزجت (سانا مونا معين أحمد) بين الرؤية التجريدية والتفاصيل البصرية للواقع المعاش كما يظهر على سبيل المثال في لوحتها (هاي ريكشاوي) وهو الاسم الهندي لـ (التوكتوك) وسيلة نقل للمواطنين البسطاء موطنها الهند، تستدعي (سانا) الصور من الذاكرة وتقوم بإعادة رؤيتها محولة التفاصيل الواقعية إلى أشكال غريبة وإلى فانتازيا زاهية تجعل الواقعي يتآلف مع الخيالي ينتظمهما عقلها التشكيلي وإحساسها المنطلق، الحي، والمحب للحياة بشكل يلهم خيال وفضول المتلقي.
في لوحاتها استطاعت (سانا مونا) أنْ تغير المفهوم التقليدي للعمل التشكيلي وتمكنت بحرفية عالية أنْ تخلق واقعًا إبداعيًا يمثلها دونما قطيعة مع الواقع خارج اللوحة وبقدر الدور المحوري الذي لعبته ألوانها الصريحة النقية كان هناك دور لا يقل أهمية للمناطق الصماء داخل تشكيل يحفز البصر كما البصيرة.