رامية المولوي…عالم من الجمال الرائق وأناقة التشكيل
كتبت/ سمر العربي
“المشاعر التي ينقلها الفنان التشكيلي ليست المشاعر التي ينقلها الأديب أو المسرحي أو الموسيقي أو الشاعر أو الراقص .. إنها اللغة التي تتعلق بعلاقات الأشكال بعضها ببعض كالقصائد المرسومة والألوان الراقصة و بدون هذه المشاعر التي تحملها الأشكال لا يحقق الفنان فنًا” ديكارت
عندما تتفتح الحواس على الجمال الحقيقي الهادىء يغلف أمكنة الولادة والنشأة؛ تصبح للنواحي الجمالية وعلاقتها بالفرد وكذلك علاقة الفرد بالمجتمع بكل العوامل التي تربطه به من تعايش ووحدة مصير وانتماء مركزية وثقل حيويان يفرزان خصوصية فنية لها أدواتها الفريدة من حركات ورموز وأشكال تتكاتف كلها لتخرج لوحة تشكيلية بنكهة خاصة، لوحة تشكيلية بروائح الوطن.
الفنانة الدمشقية (رامية سمير المولوي) نموذج لمثل هذا الفنان الفرد المنعجنة أجزائه بتراب الوطن فقد ترعرت على رائحة الياسمين الدمشقي وأشجار الليمون والنارنج، يهزها الحنين كلما تناهى إلى مسامعها صوت فيروز العذب تحمله روائح البيوت الدمشقية العتيقة تبللها أمطار الشتاءات السورية الرائعة لتتراكم التفاصيل من حولها لتخلق فيما بعد عالمًا من الجمال الرائق على مستوى التشكيل في لواحاتها، فهي لا تسمح للقيود الفنية بأنْ تحدها أو تسلسل أفكارها بل تعمد في رسمها إلى استخراج أنماط جديدة بأسلوب مرهف ومنصت لمفردات علم الجمال.
للفنانة (رامية المولوي) أكثر من مائتي لوحة ترسم في بعضها دمشق بشوارعها القديمة وتصاميم البيوت العتيقة المزخرفة وعندما جاءت إلى مصر بلدها الثاني فتنتها الخصوصية والأصالة فاستطاعت بريشتها أنْ تنفذ إلى عمق الروح المصرية لترسم البيئة المصرية بروعتها وجمال وبساطة أهلها، رسمت البيوت الطينية كما البيوت الحجرية، صورت بريشتها البيئة المصرية من الريف وحتى أسوان في لوحات مفعمة بالتفاصيل تلتقطها عيونها المدربة على الجمال بطريقة مدهشة ثم تنتظمها داخل لوحاتها الجميلة جمالا يباغت حواس المتلقي، إنَّها تقوم بتحويل المساحات المعتمة إلى إضاءة على تفاصيل البيئة موضوع اللوحة فتكون المفاجأة بأنْ نرى نحن المعتادين على هذه البيئة ومشاهدها حد الملل ملامحًا جديدة وتفاصيل أخرى لم نرها من قبل فالفنانة (رامية) استطاعت أنْ تعيد تركيز الإضاءة على نقاط جمالية جديدة ثم أعطت منظورًا مختلفًا لرؤية بيئتنا العتيقة والمتجددة في آن معا والنتيجة مذهلة عنما رأينا بعيون (رامية).
داخل المساحة التشكيلية للفنانة (رامية المولوي) عوالم تعج بالحركة/الصيرورة التي تبدأ انطلاقًا من إطار كبير أنيق للبيئة المحيطة دون أنْ تغفل داخل الإنسان الفرد في علاقته الجدلية ذهابًا وإيابا مع محيطه مما يضيف بعدًا جديدًا ومنظورًا واسعًا للحياة التي تجسدها عن طريق فرشاة الرسم وهي هنا الوسيط المتكىء على سعة التخيل، فلوحاتها تنقذنا من رتابة الاعتيادية فهي تخلق هارموني كثيف بين الشكل والمضمون، وبين الصورة والمادة متموضعة حيث أناقة التعبير التشكيلي.
نستطيع أنْ نقول وبكل أريحية أنَّ الفنانة (رامية المولوي) استطاعت بحرفية “مصرنة” المدرسة الانطباعية، فالمتلقي يكاد أنْ يرى في لوحاتها “روح مصر” خاصة عند تأمل الزي المصري الريفي، وأعمال الزراعة الواضحة -جني القطن على سبيل المثال- ، والحضور القوي للمفردات الحضارية المصرية بما فيها الحيوانات والطيور المميزة للبيئة المصرية، كذلك الاهتمام الكبير بالنيل، شكل البيوت، النخيل كلها مرسومة بأناقة وألوان ساطعة سطوعًا لاصيقًا بشكل النور والظل للريف المصري.
تهتتم (رامية) اهتمامًا ملحوظًا بالعنصر البشري داخل مساحتها التشكيلية، فرغم أهمية الطبيعة عندها إلا أنَّها لا تطغى على الوجود البشري، فبينهما علاقة اتكائية مكملة بوصف الوجود الإنساني جزءا لصيقًا مكملا لمعاني الطبيعة، نحن نلاحظ الحضور البشري بقوة و حضور عامل وفاعل ونشط في الكثير من لوحاتها وحتى في اللوحات التي تخلو من العنصر البشري فإنَّنا نكاد نستشعره ونبحث عنه في ثنايا اللوحة لذا نشعر أنَّ الانطباعية في أعمالها ممزوجة بنوع من الرومانسية فنكاد نلمس إحساسيها وهي تلتقط المشهد لتضعه داخل اللوحة هذا من جانب ومن جانب آخر نكاد نسمع (رامية) تقول في لوحاتها أنْ لا وجود للطبيعة في غياب الجانب الإنساني والعكس صحيح فليس لنا أنْ نفرق بين الموجودات الطبيعية الصرفة وبين ما أوجده الإنسان من إضافة.
للفنانة (رامية المولوي) عدة مشاركات منها معرض بصمات الفنانين التشكيليين العرب في قاعة الأهرام، ملتقى ألف حياة للتشكيلين العرب بقاعة صلاح طاهر بالأوبرا، الملتقى الدولي للحرف والفنون الشعبية بقاعة الاهرام كما أنَّ لديها مرسمها الخاص وهي تعشق تعليم الأطفال.