د/فطام مراد : عكاشة،المتمرّد الخارج على مألوف ” مسح الجوخ “

التشكيلية د/ فطام مراد،أستاذ فنون جميلة،لبنان

0

أراني، وأنا أبادر بالشكر للمنحاز بامتياز ” للغلابة” ،أعلن تراجعًا في قدرتي على الثّناء اللائق .لذا أرجو قبول اعتذاري .
هذا المنحاز، متمكّنٌ من التصويب، ولو عن بعد، على ذخائر الفن المحليّ والعالميّ . حيث هو اليوم،شهادة أنه الرجل المناسب لمشهديةِ قلقٍ إيجابيٍّ لا يستكين .
شرقطاتٌ طفوليةٌ تتكولسُ وراء سرعة انفعاله،يقابلها بطءٌ راقٍ لردات فعلٍ بطعمِ البصر والبصيرة،وحنكةٌ في استيعابِ تضادات الرأي .واللامستغرب فيه،هاجسُ الإسهامِ في رفعِ مستوى الفن العربي إلى حيث يجب أن يكون .

هذا الرازقيُّ مُصِرٌّ على استضافتنا في “قطاره” ، في زمنِ مافيويّةِ فنٍ ،تستبيحُ ما طاب لها منْ وسائل،و” نفسُ يعقوب واضحةُ الغرضِ والغاية” .هذا العُكاشيُّ يا ” مرتا” يقوم بأمورٍ كثيرة، ويعلمُ مطلوبَه الواحد” ،ألا وهو العافية الفنية .وهو يجيد العزفَ على إيقاعاتها،والتمدّدَ في شرايين النقد،كذلك التشويش والخربشة، فيخطّطُ ، يمحو، يطرح ،يعيد الجمع، يقرص،و” يصدُّ الباكتيريا “(العبارة للفنان عبد الرازق ). كلُّ هذا لا يعيق ولا يؤخرُ تصاعدَ دخانِه الأبيض،تماهيا” مع سمة الصدق لديه .ويُذهُلني عنده تساوي منسوب الشّرقطة ،حين يؤلّف ،يرسم، ينتشل المستحقّين من مشكلة التهميش، وحين ينقد تجارب الفنانين، حيث “” لا فرق عنده بين عربيّ وأعجميّ “” إلاّ بالفيض الإبداعيّ .وسواسيةُ ” أسنان مشطه” مشروطةٌ لأنه، وبموضوعية،يُتقن التمييز بين الغثّ والثمين، و (مش فارقه معاه). يقول كلمته ولا يمشي .حمدا” أنه لا يمشي .لأن وباء العهر الفني مُستفحلٌ ،سريعُ العدوى .هو لا يمشي ،أمانةً للآتي ،وتيمُّنا”بجدٍّ أورثهُ أُذنا” ترى وعينا” تسمع “.فبات عبد الرازق متورِّطًا” ، شغوفًا” بتبادل مهامّ الحواس، مهووسًا” بالمبدَع الصافي، يتنقّلُ بين ريشةِ وقلمِ، وفكرٍ ثاقبٍ كالنجم .

هذا العكاشيّ ،عبدٌ يرهن صَلاته لرازقٍ منحَه ” الصبر والسلوان “على الساقط من غرباله . وما أحْوجنا لحضوره بيننا- نحن معشر الفنانين – يحذّرنا من ركوب موجة الإستسهال،ومن استمراء سرقة تجارب الآخرين . إنّ هذا الفنان القدير ،قديرٌ صوتا ” وصورة” ،يجعلنا في آن نتقبّله خصما” مُحببا” وحَكَما” نزيها” .

إنّ شهادتي به تكاد تكون مجروحة، لشدّة انحيازي إلى نقاءِ وجرأةِ مواقفه، وهو المتمرّد الخارج على مألوف ” مسح الجوخ ” . يحْلو له ، ولنا ،التلبُّسَ بمقالاته “الجُمُعاتيّة” ،وبعنديّاتٍ تضيف الجرعة الزائدة إلى الواقع النقديّ، وإلى “صالونات خريفه” ترياق شفاءٍ لشتاء الأزمنة الفنية .

شكرا” أنّه يتقن طبخ المعلومة على نار التمرحل،تمامًا” كإتقانه تحرير الفكرةعلى مُسطّحه ،في هرولةٍ بين ” صفا” الإبداع و ” مروى “النقد ،ممتشقًا” ” باكتيريا الصدّ ” .
للحديث عن عكاشة بقيّاتٌ لا بقيّة. يكفيه فخرًا” أنه آتٍ من إعجاز أهراماتٍ، ومن رحم ” أم الدنيا ” .ويكفينا أنه يحاول “”إدخالَ الجُمّلِ في خُرم الإبرة”” (الجُمّل هو حبل السفينة الغليظ ) .
بدوري أحترمُ توقّفَ قلمي عن الإسترسال ، لأنّ معه وعنه، يبقى للحديث بقية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*