تجربة الفنانة الدكتوره فوزية ضيف الله فى جماليات الرسم

18/2/2021

0

كتب / د. رسول محمد رسول

فوزية ضيف اختصاص فى الفلسفة المعاصرة، وأستاذة للفلسفة المساعدة فى “قسم الفلسفة” بـ “المعهد العالى للعلوم الإنسانية” فى (جامعة تونس المنار)، وكانت قدِ انخرطت فى عوالم التشكيل الفنى (الرسم) منذ أيام الدراسة الفلسفية فى مرحلة البكالوريوس، وأدلفت ضيف الله عشقها للفن التشكيلي عامة، والرسم على نحو خاص، منذ سنة 2017 عندما شاركت فى معارض جماعية، وتاليًا معارض فردية، فكانت مشاركتها منذ سنة 2017 فى “المعرض الدولى للفنون التشكيلية”، مراكش، ومن ثم فى احتفالية “يوم الشباب المغاربى.

المركب الشبابى المغاربى”، فى برادس لسنة 2017، وتاليًا فى “معرض رمضان الفنون التشكيلية بالزهراء، الجمعية التونسية الدولية للفنون والحرف”، لسنة 2017. وفى “الملتقى الدولى للفنون التشكيلية بالعوينة، دار الثقافة أحمد حمزة بالعوينة” لسنة 2017. وتواصلت مشاركاتها فى سنة 2018 فى لقاء “لمّة الأحباب، دار الثقافة أحمد حمزة، العوينة”. وفى “المعرض الجماعى السنوى للمركز الدولي للتربية والفنون بحدائق المنزه”. وفى “المعرض الجماعى”تقاليد”، دار الثقافة حمام الشط”، وفى “المعرض الجماعى السنوى للمركز الدولى للتربية والفنون بحدائق المنزه” وغيرها.

وكذلك فى سنة 2019 عبر “معرض الفنون التشكيلية، دار الشباب الزهراء”. وصولاً إلى مشاركتها فى “المعرض السنوى لرابطة الفنون التشكيلية”، ومن ثم تجربتها فى معرضها الشخصى سنة 2019 فى تونس العاصمة “فى ناس 2019، فى سيدى بوسعيد، دار الشباب، وعنوانه (أيّام زمان)”، وتكرّرت تجربتها الفردية فى معرضها لسنة 2019 تحت عنوان (تأويليّة اليومى)، وهى فضلاً عن ذلك عضو فى (نقابة الفنون التشكيلية)، وعضو فى (رابطة الفنانين التشكيلين)، وغيرها الكثير.

القرابة بين الفلسفة والفن واليومى

ثمّة علاقة واضحة المعالم بين الفلسفة والفنون، وهو ما درسته فى محاضرات فلسفية متتالية تلقتها فى خلال سنوات مرّت، فليس الفن، ولا التشكيل الفنى، ولا الرسم ببعيد عن ذائقتها الجمالية، ولذلك عملت على صب ثقافتها الفلسفية، بل تخصصها الفلسفى، فى كمِّ اللوحات التى رسمتها خلال سنوات، ولنا فى معرضها الانفرادى لسنة 2019 تحت عنوان (تأويليّة اليومى) أنموذج لهذه القرابة بين الفن والفلسفة، بل القرابة بين اليومى والفلسفة والفن، فلم يذهب تخصّصها الفلسفى هباءً منثورًا فى فراغ اللحظة، وكذلك لم يذهب “اليومى” فى الحياة والوجود فى الهباء المنثور ذاته، بل عملت على خلق التلازم بين ريشة الألوان وكل ذلك فأنتجت أعمالها الفنية، لا سيّما فى خلال السنوات الثلاث الماضية.

الأنوثة والكوجيتو المجروح

راق لى معاينة لوحتها تحت عنوان ” الكوجيتو المجروح” لسنة 2019، وفى عنوان اللوحة مصطلح فلسفى يعود إلى الفيلسوف الفرنسى رينيه ديكارت، وهذا مؤشر فلسفى يقترب من تخصص ضيف الله، وفى اللوحة ثلاث شخصيات تشغل الرؤوس البشرية فيها واجهة الحدث، أو بؤرة المخاطب فى اللوحة، ولأنّ الرؤوس فيها تعود لنساء فتلك إشكالية أنثوية، فالوجوه ملطخة جندريًا بجراحها، ولا تعطينا الوجه الأنثوى متكامل الملامح إلّا بوصفه ذاتًا مجروحة، وهو إلغاء للذات النسوية بحكم الواقع المعاش، ليبدو إلغاءً ذكوريًا إلغاءً للذات الأنثوية، وهو أمر غير مستغرب فى العالم الثالث، ولا العربى، ولا الأفريقى بوصف الرسامة تنتمى إلى القارة الأفريقية.

كما أنّ البنية اللونية، وفى ظل القهر الذكورى، بقيت مشعة بوصفها الأثر الخالد للذات الأنثوية رغم القمع، وما عراء الظهر لدى كل أنثى فى اللوحة سوى تعرية جلية للقمع الذكورى الباحث عن لذّاته، فهذه اللوحة ترمى إلى تعرية جملة من الأوهام، لا سيّما وهم العقل الذكورى، ووهم الوعى، ووهم المركزية التى يفكر بها الذكور.

قناديل البحر

تعود لوحة “قناديل البحر” إلى تمثيل إحدى الأساطير اليونانية، لكن ضيف الله قرأتها ليس بعيدًا عن وعيها الفلسفى ما يذكّرنا بالعود الأبدى لدى فريدريش نيتشه (1844 – 1900)، وهذا هو العمق الفلسفى، لكنها القناديل فى اللوحة تبدو ثائرة وهى تبحث عن الخلود إلّا أنّها تسقط فى تحولها إلى قنديل خطير لا يسلم من غلوائه أى أحد بمن فيهم الذات الذكورية، وهذه قراءة للأنوثة التى لا تعرف للهزيمة عائق فتثور وإن خسرت أنوثتها وتحوّلت إلى كائن متوحِّش للدفاع عن وجودها وذاتها.

فى لوحة “أنثى غجرية” لسنة 2019، والعنوان مستمد من رواية (أنثى غجرية) لكاتب المقال تتجلى قدرة المرأة على مقارعة مصيرها العارض، ففى الرواية كانت البطلة “أسماء” قد تعرّضت إلى اغتصاب صاحب المركب أو زورق التهريب من المغرب الذى يهربها إلى أوروبا، وسال لعابه لاغتصابها فى عرض البحر، لكنها قاومته حتى تخلّصت منه، وفرت إلى اليابسة.

ويبدو أن هذه اللوحة السردية فى الرواية راقت للدكتوره فوزية ضيف الله، فتمثلتها فى لوحتها لسنة 2019 بالعنوان نفسه “أنثى غجرية”، والحدث نفسه ولكن بذائقة جمالية تشكيلية بعد أن أكملت شرطها التشكيلى بما يتواءم مع مشهدية السرد فيها وفى الرواية.

لقد كانت الغاية واضحة تتعلّق بلوحة “قناديل البحر” التى أبدت الأنثى فيها شجاعة نادرة بغية الخلاص من الذكورة القامعة، ومثيلتها فى لوحة “أنثى غجرية”، فالهمّ الأنثوى هو واحد وإن تعدّدت الأجناس الجمالية للتعبير عنه.إنّ تجربة الدكتوره فوزية ضيف الله فى الفن التشكيلى تتوافق كثيرًا فى ما بين همّها الفلسفى “التخصّص بالفلسفة”، والهمّ الوجودى الذى تعيشه بوصفها أنثى فى الحياة، والهمّ التشكيلى بوصفها فنانة “رسامة”، وهو ما يدل على وحدة صوت الهمّ في كليته وإن تعدّدت سبل التعبير عنه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*