الفنان والناقد عبد الرازق عكاشة : كليمت ونساؤه. 

0

وقف رجل على حافة الخمسين من عمرة فوق أحد جسور نهر الدانوب الملون في مدينة فيينا،يفكر أن يقف عداد ثواني عمره، و الذي تحمله الأرض صبرًا على مزاجه العصبي أحيانًا والطيب حينًا آخر.، وبدأ يتذكر الرجل حين كان موظفَا بشبكة السكك الحديدية أكبر شبكة مواصلات في أوروبا وقت الإمبراطورية المجرية وقبل بدء الحرب العالمية الأولى،و كلما فكر بدأ رصيف الوطن  يلتصق بحذائه وفكرة الانتحار تتسرب من منطقة عقلة مسلمة وجدانه للمصير.

وحين بدأ يفكر بقلبه تذكر أنه يمتلك لوحة لكليمت؛وقتها كان مقتنيًا مهمًا؛حيث كان لموظفي السكك الحديدية شأن وراتب كبير،الفرح في اللوحة والمكعبات الذهبية أعادا الابتسامة إلى وجهه الطيب بعد أن ظن أن الشمس غربت عنه،وبدأ يتذكر كليمت زير النساء الملون ،العاشق، مجدد متفرد ،أفنجارد عصره؛ حنون،مجنون، تتنوع أعماله كقصائد شعر ملونة وكملون اختصر كل السابقين في لمحة وقدم للقادمين،أمل في التجديد وبناء اللون والخط،الضربات اللونية العفوية،القوه البصرية الشديدة،صاحب تجربة مهمة .

وتعاليم الأب فهو  ابن وسط لأب معلم صانع متفرد في النجارة وهى لصق القشرة (الأسطح الخشبية) ،الديكور،الحديد،فعلم أولاده السبعة كل واحد صنعة؛أما كليمت فتعلم كل شيء منهم واتقنه وتعلم من أبيه حب النساء،درجة حرارة فرن الخزف،نار صهر الحديد و درجة حرارة أجساد النساء (كان زير نساء) لكن ليس كل النساء لم يحب العابرات ولا نساء الليل والشوارع الخلفية إنه يعشق جملة شعر من امرأة تهز وجدانه،يبهره عقل المرأة،ثقافتها،خطوط الحلم ويرسم لونه الجديد معجونًا مع صدقها،يفر ويهرب من المرأة الثرثارة الكاذبة،عكس تلميذه شيلي الذي كان يعشق كل النساء،يرسم بنات الليل والشوارع الخلفية ليس بغرض رسم موضوع؛إنما شيلي كان عميقًا يريد رسم لحظات نشوة لا ترى بالعين المجردة مشاعر لا تمسك باليد إنما تحس بمشاعر موازية،أما كليمت فكان  صاحب مزاج في فن التلوين واكتشاف مناطق النور الساحرة  واستبدال الظل بلون ساخن يشعل حرارة وجدان المتلقي.

كلميت كل ألوانه ساخنة حتي البارد منها، فالخلطة السحرية لعموم اللوحة تهز عصب العين الراقص مثل ميزان حساس يقيم الجواهر،البعض يعتبر أن أعمال كليمت تميل للديكور،نعم،لما لا فهو الصناعي الذي تعلم الفن كمهنة لأكل العيش ،في سن عشر سنوات ثم بدأ يتخلص من الشوائب البصرية ليزيد من الجرعات الحسية ليصنع لوحة نقية بصريَا ،كان  يعشق فرويد و فلسفتة،مؤمن بنتشة ومدرستة،هذه الثقافة سهلت له اختصار الجملة الملونة فزادت من اتقانه الإبداعي،كليمت الفنان المثقف الإنسان،التحق بكلية الفنون الجميلة، فيينا،وهو في الرابعة عشرة من عمره مع أخيه الأكبر منه بعامين .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*