الفنان القطرى جاسم زينى ، فن حديث بروح تعبيرية

5/7/2020

3

كتب / غـازى انعــيـم ..من كتاب ( ثريات اللون.. سماء معتمة )

يعد التشكيلى القطرى ” جاسم زينى ” من الفنانين الأوائل الذين عملوا على تطوير فن التصوير فى قطر، وأول فنان قطرى يحصل على شهادة أكاديمية فى الفنون الجميلة عام 1968، كما نجح ” زينى ” بوضع أسس المرسم الحر، ولم يكتف الفنان زينى بذلك بل عمل مع بعض الفنانين المخلصين لفنهم فى بداية ثمانينات القرن الماضى بتأسيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية، وكان زينى أول رئيس لها، حيث عمل على الارتقاء بالمستوى الفنى من خلال رعاية وتشجيع الفنانين وتنظيم جهودهم فى خدمة الحركة التشكيلية القطرية،وإلى جانب ذلك عمل على توثيق أواصر الصداقة بينهم وبين إخوانهم من الفنانين العرب، وكذلك تبادل المعلومات ذات الطابع المشترك.

شخصية لها حضورها الفنى

لقد حقق الفنان جاسم زينى لنفسه شخصية فنية أصبح لها حضورها الفنى سواء على الصعيد المحلى أو الخارجى، واثبت لنا عبر تجربته الفنية المتميزة قدرة تراثنا العربى على البقاء والاستمرار، لما يملكه من عناصر تشكيلية ممكن أن نعبر بها عما نرغب، وتجاوزت موهبته ذلك كله حين اثبت قدرته بالتعامل مع مذاهب الفن المختلفة: ( الواقعية التسجيلية، التعبيرية، التأثيرية، السريالية، التجريدية..).

كما جمع بين روحية التراث المرتبطة بالبيئة والهوية القطرية وجمالية التقنية: ( قلم رصاص، أقلام خشبية، تصوير زيتي، مائي، حفر، كولاج، نحت، جبس، رقائق نحاس، ورق مضغوط.. )، إلى جانب ذلك فهو رقيق الحس، نقي القلب، صادق العاطفة، يعمل فى صمت وتواضع، يعبران عن روح الفنان الأصيل، فهو إذن؛ أحد الفنانين الذين وهبوا حياتهم للفن الذى جعله صاحب اتجاه واضح فى الحركة التشكيلية القطرية.

لقد ثابر الفنان جاسم زينى لبلورة فنه ومنحه قدرة على التعبير بأسلوب فنى خاص ومتميز، واستطاع أن يخطو بثقة باتجاه تأصيل التجربة الفنية، فضلا عن الهدف الأساس بخلق رؤية جمالية وإبداعية.

البدايات

ولد جاسم زينى فى عام 1942 وتفجرت رؤاه الجمالية عندما شاهد وهو صبى صغير لم يشب على الطوق.. والده ” محمد زينى ” ينقش ويزخرف جدران المنازل باللون الأزرق والبرتقالى، بالإضافة لمشاهدته له وهو يصنع من مادة الجبس زخارف متنوعة، ومن مادة الخشب سفن صغيرة متعددة الأشكال.. وتماثيل مجسمة لبعض الحيوانات، مثل الأسود وغيرها… بعد ذلك عمل والده فى استيراد وبيع السجاد الإيراني بألوانه الزاهية وزخارفه المبهرة، كل ذلك جعل ” جاسم ” يكتسب خبرة الصناعة الفنية الحرفية من والده، وكانت ميوله الفنية تجد تشجيعًا من الأسرة.

وحتى لا نستبق الأحداث، نعود إلى البدايات الأولى، ففى المرحلة الدراسية الإبتدائية، كان الطالب جاسم يحب الفن بشكل كبير، مما دفع مدرس مادة التربية الفنية إلى تشجيعه بالاستمرار فى هذه الهواية المفيدة، لما رآه منه من موهبة متميزة وحب كبير للرسم، وهذا جعل المدرس يمده بالمواد الفنية المختلفة.. ويُعرّفه بطريقة استعمالها.. وكيفية رسم المناظر الطبيعية التى كان جاسم يرسمها مثل: البحر، والصحراء، وأشجار النخيل، والبيوت.. والاستفادة منها من خلال محاولة الكشف عن القيم الجمالية.. وكان يشجعه على الاشتراك فى المعارض المدرسية.. مما ساعد على تثبيت دعائم الثقة لديه، لذلك كان لمدرس التربية الفنية دور كبير في صقل موهبته الفنية.

بعد ذلك ـ في المرحلة الإعدادية ـ اتجه نحو التجريب على الخامات والأسطح، كى يحصل على وسائط جديدة تعاونه فى التعبير الفنى، فرسم فى عام 1955 لوحة إعلانية فوق باب محل السجاد الذى يملكه والده فى سوق الدوحة القديم، وكانت اللوحة عبارة عن صورة للمطرب فريد الأطرش تخيله الفنان يتزوج الفنانة شادية.

وفى المرحلة التالية ـ الثانوية ـ رسم ” زينى ” لوحة بالألوان الزيتية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقد نقلها عن صورة فوتوغرافية، ثم نسخ لوحة عن معركة وحادثة دنشواى، وهو عمل فنى للفنان جمال قطب، كان قد صورها فى الخمسينات، بالإضافة إلى ذلك نسخ مجموعة لوحات لكبار الفنانين العالميين بطريقة المربعات، ليشارك بها فى المعارض المدرسية.. وقد لعبت عمليات نقل ونسخ الصور واللوحات دورها فى تدريب جاسم زينى على الرسم والتلوين.

كما كانت ” لمساته واضحة فى مشاركاته بالمعارض المدرسية وعمله لبعض الإعلانات والملصقات فى فترة أواخر الخمسينات جعلته أكثر قوة فى التصميم واللون فيما بعد “.

بعد نجاحه فى الثانوية العامة حصل فى عام 1962 على منحة دراسية من وزارة التربية والتعليم لدراسة القانون فى مصر، لكنه عدل عن هذه الدراسة بعد أن أمضى بها سنتين، واتجه فى عام 1964 إلى بغداد لدراسة الفنون الجميلة، وهناك أتيحت له الفرصة لتعلم قواعد الفن.. والتعرف على روائع الأعمال الفنية.. وعلى اتجاهات الحركة التشكيلية العراقية، وأثناء دراسته تعلم وتعرّف أسرار التقنية وتأثر بأساتذته الفنانين: ( فائق حسن، حافظ الدروبى، إسماعيل الشيخلى، عطا صبرى.. )، وغيرهم ممن درس على أيديهم، وكان من نتاج هذه المرحلة، مجموعة من الأعمال الفنية المنفذة بالألوان الزيتية، بالإضافة إلى إنتاجه مجموعة من الأعمال الغرافيكية في عام 1968 وهو العام الذى تخرج فيه ” جاسم زينى “، وتلك المحاولات الغرافيكية كانت الأولى والأخيرة بالنسبة له، لأنه لم يحاول تكرارها فى مراحل حياته الفنية التالية نظرًا لعدم توفر الأدوات والخامات الخاصة لفن الغرافيك فى قطر.

أول درجة علمية فى الفنون الجميلة

بعد تخرجه فى كلية الفنون الجميلة ببغداد عام 1968 عاد الفنان ” جاسم ” إلى الدوحة يحمل أول درجة علمية ـ بكالوريوس ـ بالفنون الجميلة فى قطر، واعترافًا من الدولة بموهبة هذا الفنان عُيِّن موجهًا لمادة التربية الفنية فى وزارة التربية والتعليم، وهذه المهمة لم تمنعه من مواصلة مشواره الفنى، والمساهمة فى الحياة الثقافية القطرية من خلال رسم الكاريكاتير، وتصميم أغلفة الكتب، والمجلات، منها تصميمه غلاف العدد الأول لمجلة الدوحة الثقافية، وتقديرًا من وزارة التربية والتعليم لفنه كُلّف في عام 1969 بتنفيذ ثلاث جداريات:

الأولى: نفذت بقطع من الفسيفساء ( الموزاييك ) الملون، وتبلغ مساحتها 222 × 432 سم، وهي تُمثل العِلم والتطور الحضارى فى قطر، وتُركز على إبراز دور المدرسة كمصدر للعِلم والمعرفة، وهذه الجدارية تعتلى المدخل الرئيسي لوزارة التربية والتعليم فى الدوحة.

أما الجداريتان الأخريان ـ في الوزارة أيضًا ـ فتبلغ مساحة كل واحدة 80 × 110 سم، وقد استخدم الفنان فيهما تقنية المعاجين الإسمنتية الملونة باللون البنى الفاتح، لخدمة الكتابة العربية.. حيث استخدم كلمة ” قطر ” فى الجدارية الأولى، و ” العِلم نور ” فى الجدارية الثانية، ولا يمكن ” التمييز بين الجداريتين فى التكوين الفنى إلا بالتدقيق نظرًا لاستخدام نفس الألوان فى بناء الأشكال وفى الأرضيات، إلا أن الفنان فى الجدارية الأساسية الكبيرة سجل بأسلوب يجمع بين الواقعية التسجيلية والرمزية تكوينًا يحتوى الأبعاد الثلاثة فى التعبير عن البناء داخل اللوحة لكنه رغم ذلك يحس المشاهد أن هذا العمل زخرفى فى توزيع الوحدات البنائية لأشكال التعبير الفنى، وفى رسم هذه الوحدات، وفى توزيع الألوان الصريحة الأساسية عليها “.

نادى الجسرة .. دور ثقافى رائد

فى عام 1971بدات الحركة التشكيلية فى قطر تنضج وتولى نادى الجسرة الثقافى مسؤولية جمع شمل الفنانين الموهوبين، وقد كان الفنان جاسم زينى عضوًا فى الهيئة الإدارية للنادى بالإضافة إلى عمله كموجه للتربية الفنية فى وزارة التربية والتعليم، واستطاع زينى بحكم وظيفته وعمله فى نادى الجسرة، أن يجمع الكثير من المواهب حوله وإعطائهم دروسًا فى اللون والخط والمساحة وقد برز منهم أسماء عديدة ممن استطاعوا أن يدرسوا الفن التشكيلى على أصوله وقواعده الأكاديمية مثل:

” حسن الملا، ومحمد على، وسلمان المالك، ومحمد الكوارى، وسيف الكوارى، وماجد المسلمانى، ويوسف أحمد، وغيرهم “.

وهكذا امتزج ” جاسم زينى ” بالحياة اليومية وظهرت موضوعاته مسجلة لانطباعاته عنها، فصور الإنسان القطرى الذى ظل أحد أهم هواجس الفنان ـ جاسم زينى ـ بشكل واقعى وطورًا تعبيرى؛ وأحيانًا بشكل رمزى، وذلك لإبراز سمات هذا الإنسان الذى غاص فى أعماقه على المسطح الأبيض. كما أن لوحاته ” لا تخلو من ( الإنسان ) فى أنشطته وفعالياته وآماله وآلامه.. وغالبا ما نجد اللوحة لديه تضج بالتعبير والحيوية الواقعية لهذا الإنسان ( فى جميع حالاته ) الفرحة؛ والحزينة.

وقد عرف جاسم زينى سمات هذا الإنسان وغاص فى أعماقه، يدرسها ويتأملها؛ فأدرك فيها ( البساطة؛ والألفة؛ وحب التعاون، والمساعدة؛ والإيمان؛ والصبر ) وجميع صفات الخير والفطرية؛ فإذا به يرسم جميع هذه المعانى على وجوه شخصيات لوحاته؛ فبدت على جلساتهم وتعبيراتهم، وأنشطتهم ناطقة بالحركة والحياة؛ ولكل حالة من هذه الحالات تعبيراتها ( ومن هنا ) فقد عرف جاسم الأسلوب المناسب لإبراز كل حالة من هذه الحالات بشكل ( تقنى ) مدروس وصحيح؛ سواء فى ( اللون ) أو ( التصميم ) فى ( الشكل أو الأرضية ) “.

ويتضح ذلك فى العديد من اللوحات التى أنجزها فى فترة السبعينات حتى بداية تسعينات القرن الماضي مثل: ( الكى، اكتشاف، صورة ابنتي، ليلة قمرية، الضالة، حرفي، ليلة الحناء، المحو، لعب البنات، موكب رسمي، موكب، دبران، من غار حراء، حلم، صيد البر، بر الأمان، شباك وسمك، الذهاب إلى السوق، شهية القط المالح…

البحث فى التكعيبية

ويبحث الفنان جاسم زينى فى التكعيبية، ويقدم مجموعة من الأعمال الفنية التى كان له معها تجربة أولى إبان كان طالبًا فى أكاديمية الفنون ببغداد، ومن أمثلة ذلك لوحة ” النارجيلة ” التي رسمها عام ( 1974 )، حيث جمع فيها التعبيرية والتكعيبية فى إطار متعايش مع الوحدات الزخرفية وعنصر الإنسان.. ويستمر جاسم زينى بالبحث فى التكعيبية ويقدم من حلولها مجموعة من الأعمال الفنية التي اعتمد فيها على التكعيبية والتلخيص والتركيب مثل لوحة ” من وحي الصيد ” ( 1977 )، ولوحة ” وسام الفنون ” ( 1984 )، و ” صراع الأجيال ” ( 1987 ).

لكنه ” استخدم التكعيبية فى الإطار ( التعبيرى ) لا ( الرمزى )؛ ففي لوحته ( بائع السمك )؛ وجدناه لا يحطم نسب ( الشكل ) كما حطمها ( بيكاسو ) فى تكعيبيته القائلة أن كل جسم فى الطبيعة يمكن إعادته إلى معادله الهندسى؛ أى إلى ( مربع أو مستطيل، أو دائرة أو منشور أو مكعب )، لذلك فإن لوحته ( بائع السمك ) تقوم على ( على وحدة المثلث والمعين ) كعنصرين هندسيين؛ مع إيقاعات ( قوسية أو دائرية ) فى ( الخلفية ) وظل التناغم والاتزان قائمًا بين ( الشكل والأرضية ) وفى هذه اللوحة لم يتخل عن ( العنصر البصرى الواقعى ) لكن الأسلوب الذى استخدمه فى التعبير عنه هو الأسلوب التكعيبى؛ مستخدمًا الأشكال الهندسية؛ وفى هذه الحالة لم يصرفنا الأسلوب عن الموضوع. كذلك ادخل الإيقاعات الهندسية والزخرفية إلى لوحته ( شارب الكدو ) حيث اعتمد الأشكال ( البيضوية المفلطحة وأنصاف الدوائر والمثلث والمستطيل فى ( الشكل ) بينما أدخل الزخارف على ( الخلفية ) وظل الشكل محافظًا على ( تعبيريته ) وايحاءاته الواقعية رغم استخدام ” الأسلوب التكعيبي ” في التنفيذ “.

وتمثل لوحتا ” ملامح قطرية ” ( 1973 )، ولوحة ” اكتشاف ” ( 1975 ) نموذجا للواقعية التعبيرية التي صور بها الفنان العديد من اللوحات الفنية، ويسير الفنان على نفس النهج ويرسم لوحة ” للنساء فقط ” ( 1979 ) ويضيف إلى الشكل التعبيرى المغزى الأدبى والمغزى الاجتماعى والمغزى النفسى.

تصوير البحر

وقد صور الفنان الراحل البحر في العديد من اللوحات مثل: ( العشر، الصيد الحصين، من وحي البحر، من وحي الصيد، شباك وسمك، صيد البر والبحر، الحصين 1 و 2 )، وقد كان البحر بمثابة المصدر الأول للإلهام الذي أثرى فكر الفنان ” جاسم زينى “.

ورصد أيضا الطبيعة والعمارة القطرية في شكلها التقليدي، والزخرفي الذي كانت تتزين به مباني تلك العمارة، وانعكاسات النور والظلال عليها ولم يقيد نفسه بأسلوب معين، لذلك نشاهد لوحات له تعبر عن البيئة وقد نفذت بأساليب متنوعة ( واقعية، سريالية، تجريدية ) والهدف من ذلك كما يقول الفنان:” اعطاء المتفرج فرصة التأمل بغض النظر عن طبيعة الموضوع “.

وتناول الفنان ” زينى ” العلاقات والتقاليد والعادات الاجتماعية على مسطحات لوحاته مثل: ( الطب القديم، حياة الزواج وعاداته، والأفراح، والنخوة، والضيافة والكرم، لعب الأطفال، الترفيه، والسمر ).

كما رسم ” لوحات تسجيلية ترصد الواقع المعيشى والاقتصادي للإنسان القطري؛ ( مثل في الشيرة؛ وعائد من الشيرة؛ وبائع السمك والعشر ) وغيرها.. ولوحات رصدت ملامح البيئة الصحراوية والبحرية والمدنية “.

” لكن جميع هذه اللوحات التسجيلية لم تحاكِ الطبيعة والبيئة محاكاة ( فوتوغرافية ) دون نبض؛ بل جاءت هذه التسجيلية وتلك المحاكاة لتختار الزوايا الفنية المعبرة بحس ( انتقائي ) مع المحافظة على المنظور الواقعى؛ ولكن اللون كان تارة ( واقعيا ) وتارة ( تعبيريا ) وطورًا ( رمزيًا ) وهنا يكمن السر في ( قوة التصميم ) و ( الشكل ) وبروز الفكرة فى لوحات جاسم زينى الواقعية؛ ولذا فهو يهتم بخلق الجو الملائم للوحة “.

ولم ينس الفنان قضاياه الوطنية والقومية المتعددة التى يعيش لحظاتها العالم العربى والإسلامى، ومن هذه القضايا التي لفتت انتباه الفنان، قضية لبنان، وما يتعرض له هذا البلد العربى من احتلال وقتل وتدمير واعتداءات متكررة من قبل العدو الصهيونى، وقد عبر الفنان عن مشاعره الجياشة فى لوحة حملت عنوان: ( الصيف الحزين )، وهى تمثل شجرة أرز باسقة مخضرة، لها جذور ضاربة فى الأرض، تخرج من فارغ طلقة رصاص.

كما رسم فى خلفية اللوحة عين تذرف الدمع، الذى تحول إلى شلال يروى جذور شجرة الأرز الخضراء، وإلى جانب الشجرة، رسم طلقة رصاص فارغة يخرج منها دم مسكوب على الأرض، وقد رسم الفنان شجرة الأرز هنا، للدلالة على لبنان الشامخ والباقي إلى الأبد.

وعبّر الفنان عن تلك التفاعلات التضامنية التى تتم فى دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال اللوحات التالية: ( في ظل التعاون، من وحي مجلس التعاون، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أمن الخليج، حرب الناقلات..).

فمثلاً فى لوحة ( فى ظل التعاون )، رسم الفنان ” جاسم زينى ” فى خلفية العمل شعار مجلس التعاون الخليجى، وهو يموج في سحابة أمام خلفية حارة، وفى أرضية العمل رسم مجموعة من السواعد والقبضات والأكف التى ترتفع إلى السماء، يافطات مكتوب عليها عبارات: ” مجلس التعاون فجر جديد فى تاريخ الخليج ” و ” ربع تهاونوا ما ذلوا ” و ” واعتصموا بحبل الله جميعًا… “.

وعلى الرغم من تنقل الخط القومى بين أرض المنبت ـ قطر ـ وأرض الانتماء ـ الخليج ـ وأرض العرب ـ لبنان ـ إلا أن الحس القومى يعايش الفنان معايشة كلية يؤكد على دور الفن فى التعبير عن أحاسيس الأمة فى صورة عمل فنى يسجل للحظة تاريخية ما يمر بها.

وفي السبعينات أيضًا، قدم الفنان جاسم لوحات تجريدية ضمن مساحات لونية من جانب، ومفردات حروفية زخرفية من جانب آخر، مثل لوحة ” تجريد، والهير ” 1972 و ” قطر الحديثة ” 1973 و ” زخرفة ” 1974 و ” بقايا أثر و التناظر ” 1977. وعلى الرغم من أن الأداء زخرفى إلا أن جاسم زيني تميز بأنه يعطى أعمالا من التقنية ما يجعلها تبدو أعمال راسخة المدلولات سواء فى الألوان أو التكوين أو الخامات المستخدمة.

بالإضافة إلى ذلك قدم الفنان فى التسعينات وحتى رحيله، أعمالاً تجريدية متنوعة حيث قام بتوظيف ( الكولاج ) على مسطحاتها؛ جمعت ” بين المسطحات اللونية ذات الطابع ( الواقعي / التعبيرى ) وبين ( عناصر، وأشياء عادية يستخدمها الناس فى حياتهم اليومية ( كالصناديق، أو الأخشاب، أو الزجاجات؛ أو المسامير / أو بقايا شباك الصيد، أو بعض الأدوات الاستعمالية القديمة ) بما يجعله يستخدم فن ( الكولاج ) بأدائية تعبيرية، فيها نبض الناس والمجتمع كل ذلك فى محاولة من جاسم زينى للاقتراب الحميم من الحس ( الشعبى / الجماهيرى ) لإيجاد معادل موضوعى ( بين اللوحة / كموضوع وشكل ) وبين المتلقى، وفى ذلك محاولة منه لإدخال عنصر ( القصة والحكاية ) إلى اللوحة، ولشحن لوحاته بشتى الأحاسيس والانفعالات الغافية فى أذهـان الناس؛ وإيقـاظ ( الدفين والغامض ) في نفوسهم “.

كما استخدم الورق المضغوط، وقدم بهذه التقنية لوحة بها بروز فى السطح، مضغوطة، ذات أشكال هندسية دائرية مصفوفة على أبعاد متساوية.

وفى الألفية الجديدة برز عنصر جديد فى العمل الفنى، وهو الموسيقى اللونية الناتجة من تناغم الألوان على سطح اللوحة، وهنا يتأكد ويتضح، ويتكرس الأسلوب الذاتى الذى تكمن فيه قدرة الفنان على التميز، لا على التقليد والنسخ والمحاكاة، هكذا تقترب أعماله من الخط وتتبسط من الناحية الزخرفية، أنها ذات طابع شرقى في مبناها ومعناها.

وقبل أن نختم نشير بأن الفنان جاسم زينى الذى ساهم فى خلق وإبداع تيار فنى، هو أحد الفنانين الذين وهبوا حياتهم للفن، الذى جعله صاحب اتجاه بارز فى الحركة التشكيلية القطرية، وأبًا لكل الفنانين الشباب الذين كان لتشجيعه ورعايته لهم كل الأثر الفعال.. فألف تحية لهذا الفنان الذى أعطى من حياته الشيء الكثير وتغمده الله بواسع رحمته.

3 تعليقات
  1. عبد الله محمد يقول

    مسيرة فنية مليئة بالروائع

  2. ادم محمد يقول

    مقال رائع

  3. سيد درويش يقول

    كل التحية للكاتب غازي انعيم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*