بقلم: غـازى انعـيـم
هذا الفنان صاحب العديد من التجارب التشكيلية الناجحة استطاع من خلالها أن يضع بصمة مميزة فى عالم التشكيل الروسى وصل إلى قمة الإبداع والنجاح، إنه ابن مدينة ( أومسك ) الفنان ميخائيل الكساندروفيتش فروبل الذى ولد فيها فى الخامس من آذار 1856 من أب بولونى وأم روسية، درس الحقوق فى جامعة بيتربورغ، وبعد تخرجه عمل فى إدارة القضاء العسكرى، لكن هذا لم يمنعه من الالتحاق عام 1880 بكلية الفنون الجميلة حيث كان يرسم فيها من 12 إلى 15 ساعة يوميًا، وهكذا بقى نظام عمله إلى أن فقد بصره، وكان يردد شعاره: ” كل عمل حقيقى يتطلب مقدارًا من التضحية وشيئُا من التعصب من قبل المرء “.
فى عام 1882 انتظم فى مرسم الفنان الكبير ( تشيستياكوف )، وفيه اكتشف فروبل أسرار التصوير الكلاسيكى، والبناء الإنشائى للشكل بواسطة اللون والخط الحاد المعبر بديناميكيته وتوتره.
بعد عام من البحث والدراسة فى الأكاديمية والمرسم توصل فروبل للغته الفنية وبناءه الخاص فى مجموعة الأعمال التى صور فيها ( هاملت واو فيليا ) و ( هاملت الشبيه بإبليس ).
وقبل أن يكمل فروبل دراسته فى الأكاديمية نفذ جدارية بتقنية الفريسك على جدران كنيسة ( كيريلوف ) تشيع منها روح فن القرن الثاني عشر، بعد ذلك طلبت منه الكنيسة ذاتها تصوير بعض الأيقونات، وقد أنجز ذلك العمل فى البندقية إلى حيث توجه فى نهاية عام 1884 بغية الإطلاع على الفسيفساء البيزنطية ودراسة أعمال فنانى عصر النهضة المبكر.
وعلى الرغم من الجهد الذى بذله الفنان فى الكنيسة المذكورة إلا أنه لم يقتنع بالنتيجة وراح يبحث عن مجالات وأدوات تعبيرية جديدة، فكانت فترة بعد منتصف الثمانينات من القرن التاسع عشر بمثابة فترة تفكر، وبحث عن نظم وأساليب لمعالجة مواضيع أخرى غير التصوير… مثل النحت والخزف والحفر والفنون التطبيقية والزجاج المعشق، بل تعداها إلى تصميم الديكورات للأعمال المسرحية والأوبرية… الخ.
خرج الفنان من تلك الأجواء الموسيقية والمسرحية بحصيلة من اللوحات التى تعالج حكايات وأساطير روسية ومواضيع دينية… حتى أنه تصرف بحدود دقيقة فى إبراز عناصر لوحاته من أجل أن يعطى القصة الأسطورية سمة واقعية تساعد المتلقى بأن يتصور أن العالم يحتوى على كل الأشكال الإنسانية المتنوعة، وأن مهمة الفنان من تناوله للأسطورة أن يقرب كل الأشكال من الواقع، ويفجر ما فيه من تناقضات بالريشة واللون.
ونحس من مشاهدة تلك اللوحات أن فروبل يركز على الوجوه، وعلى إعطاء كل وجه سمات خاصة به، وذلك من خلال تركيزه على اللون والإضاءة وتوزيع الكتلة، والدرجات اللونية المختلفة التى تجعلنا نرى العمل متماسكًا.
مع بداية القرن العشرين تبدل الحل التشكيلى عند فروبل عندما بدأ يرسم ويصور عشرات اللوحات التى تصور موضوع ” سقطة إبليس ” رمز الاستنكار والنفى، ولو نظرنا إلى تلك اللوحات التي تركز على المرأة بصفتها العنصر الرئيس فى أعماله، لشاهدنا وحدة لونية وترابطًا فى التكوين، مما يدل على أن فروبل قد قصد إعطاء شخصية ( إبليس ) سمات خاصة به، وهكذا نكشف فى أعمال فروبل حقائق كثيرة فنية وفكرية فيها المضمون كما فيها الصياغة الملونة المتطورة.
بعد ذلك مر فروبل بظروف صحية غاية فى الصعوبة، ورغم تلك الظروف استمر الفنان يعمل حتى اللحظة التى فقد فيها بصره، وتعتبر الدراسات التى أنجزها بقلم الفحم والرصاص والألوان المائية عن البورترية والموديلات والطبيعة فى بداية القرن الماضى حتى وفاته فى الثالث من نيسان 1910 م، فاتحة مرحلة أخرى فى تطور إبداعه عندما قدم لنا عالمه الفنى المتنوع وحلوله الفنية بحرية تامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص نشر فى الملحق الثقافى لجريدة الرأى