الفنانة نيفـين عز الدين تستعيد الحلم والفرح والرومانسية عبر اللوحة

16/9/2020

0

بقلم: غــازى انعـيــم،2013

تعكس لوحات الفنانة الأردنية المقيمة في الإمارات نيفين عز الدين أسلوبها وهويتها الفنية التي قامت على فلسفتها التصويرية بشكل رئيس وعلى موضوع العلاقات الإنسانية، حيث يتحول الواقع الظاهر فيها إلى حلم أو هاجس ما.

وركزت الفنانة خلال مسار تطورها الفني منذ انطلاقتها حتى اليوم؛ على ثلاثة مفردات وديعات حميمات، هي المرأة والطفل والطائر، فمثلاً يعبر الطفل عن البراءة والنقاء والمستقبل؛ أما المرأة بأناقتها وجمالها وأنوثتها الطاغية.. وبخصوصيتها التي تبوح بها بشكل أو بآخر فتعبر عن الإنسان.

وإلى جانب المرأة، شارك طائر الطاووس بوداعته وسكونه وألوانه الزاهية في دراما المشهد المصور، وهو هنا يلعب دورًا مهمًا مع المرأة, باعتبار أن طائر الطاووس له أبعاد أكبر من الشكل السطحي للموضوع، ووجوده معها يشعرنا بحالة من الحوار السري الغامض وكأنه سر المرأة.

هذه العناصر إلى جانب بعض المفردات التي لا تفارق لوحاتها مثل الأدوات الموسيقية والنباتات؛ جمعت فيها بين اللون والشكل والنسيج والخط، لتعبر عن استجابتها الذاتية في صياغة عوالمها الأنثوية الجذابة التي تجنح فيها نحو التبسيط، بحيث تبدو منسجمة مع المساحات والأجواء اللونية.

ونرى في هذه اللوحات تناغم الألوان الحارة بين الأحمر والأصفر.. وقد يتخللها بعض الألوان الزرقاء النادرة والخضراء الفاتحة المتألقة عمقًا.. وهنا يأتي اللون فيها كقيمة أساسية للحالة الحوارية فيما بين عناصرها ومفرداتها كما يشكل الاختزال اللوني في لوحاتها قيمة تعبيرية كبيرة لمفردات اللوحة.

وقد انقسمت المواضيع التي تناولتها إلى ثلاثة أقسام:

ـ الأول: قامت فيه برسم مجموعة تنويعات من الوجوه ( البورتريه)، وهذه الوجوه الأنثوية التي رسمتها الفنانة هي أقرب إلى المرايا التي تعكس الأحوال الداخلية التي تحفل بها الذات.. ولم تتناول الفنانة تلك الوجوه بشكل عفوي إنما تناولتها بشكل مدروس، على اعتبار أن الوجوه تشكل أحد الركائز في كشف واكتشاف شخصيتها..  فالوجه مثلاً يشكل مرآة النفس ومفتاح الشخصية.

والمدقق في لوحاتها يلاحظ تجلى ” أنا الفنانة ” في مختلف الوجوه المعروضة.. وهذا ما نلاحظه في رسم عناصر الرأس.. والإكسسوارات من حلي وأقراط.. كما حاولت الفنانة من خلال تركيزها على رسم العيون المفتوحة على اتساعها أن تعبر عن نفسها وعن رغبتها بالانعتاق والإبحار خارج الأزمنة.. وهذه العيون التي تنظر إليك في كل اتجاه، تنتظر منك السؤال الأول والأخير.

لكن لماذا التركيز على العيون التي تحدق بالمشاهد وتجذبه كالمغناطيس؟

إن الإجابة على هذا السؤال، تكمن في الأساطير اليونانية والشرقية من فرعونية ورافديه، فقد روت الأسطورة اليونانية أن ” ميدوزا ” كانت تحيل الناظر إلى عينيها، إلى تمثال من الحجر الملحي، لكن العين البابلية الواسعة، هي عبارة عن وعاء يغترف المعرفة الحياتية، أما العين عند الفراعنة فتأخذ شكلاً زورقيًا، لأن العين تحمل الروح عبر ” أوقيانوس ” الموت نحو الجانب الآخر من الوجود.

ـ والثاني: تعود إلى ينابيع ذاكرتها البصرية حيث قامت برسم مجموعة من وجوه الأطفال، بتعبيرات ووضعيات مختلفة سواء كانت بشكل مفرد أو بشكل جماعي.. والمدقق في وجوه هؤلاء الأطفال يلاحظ بأن ليس لها ملامح وهي مجهولة الهوية، وهي في هذا المعنى وجوه غير واقعية، أي وجوه هائمة تتحاشى أن تكون وجوهًا في ما تضم من وصف وإنشاء..

كما تداخلت العديد من الوجوه وبقية عناصرها ـ أنف وعين وفم ـ في لوحة واحدة .. وقد ارتسمت على وجوههم لحظات الانتظار.. التأمل، الفرح، الحزن، الحنين، القلق.. وحسب رأي الناقد عمران القيسي: ” لو قدّر لهذه الوجوه أن تحكي لسردت قصة الإنسان في خروجه من الفردوس وفي بحثه المضني عن البراءة التي فقدها وعن الجذور الميتافيزيقية التي اقتلعها زمن الإثم الذي جعل الإنسان يفتقد الوعد “.

ـ الثالث: رسمت ثنائيات بعيدة عن التفاصيل تمثل ( الرجل والمرأة )، وهما يحلقان في أجواء رومانسية رقيقة وحالمة، وقد عبرت عن تلك الأجواء بطريقتها ورؤيتها الخاصة.

كما عمدت الفنانة التي ركزت على توظيف الألوان والمساحات والإضاءة لخدمة المضمون الوجداني؛ في أكثر الأحيان على وضع مشخصاتها ـ قصيرة القامة ـ في مقدمة اللوحة، وأخذت وجوه وملامح أطفالها وتعبيراتهم المختلفة الغارقة بالحلم، الدور الرئيس في تسيد لوحاتها.. وهذه المشخصات بملابسها الأنيقة وبتهامسها وتجاذبها وتجاورها.. إلى جانب طواويسها ونباتاتها وأدواتها الموسيقية تستدرج المشاهد بخطوطها وألوانها نحو مساحات النزوع إلى الحب والفرح.

والمدقق في لوحاتها ذات المعمار الهندسي يلاحظ أنها مستقاة من الفن المصري القديم والكتلة الصامتة، حيث تتجلى المرأة بهدوئها وتأملها وبدلالاتها المختلفة وتتآلف إلى حد التماهي مع الرجل، وبعض العناصر الأخرى؛ حيث تتداخل معها من ناحية؛ وتشكل خلفية لها من ناحية أخرى.

أخيرًا يمكن القول إنه رغم وجود صعوبات كثيرة حالية في الساحة التشكيلية الأردنية، إلا أن هناك محاولات جادة وفعالة من قبل أسماء قادمة للحياة التشكيلية الأردنية ومن ضمن هذه الأسماء التي ستغني الحياة وتجدد شبابها الفنانة نيفين عز الدين التي تبشر بكثير من الوعود الطيبة.. فمن خلال ما شاهدناه من أعمال فنية، نستطيع القول ومن وجهة نظر نقدية، أننا أمام موهبة متفوقة وخبرة فنية وتقنية كرستها الممارسة المستمرة لإنتاج اللوحة؛ وهذه الموهبة، الواعدة، والمتمكنة من أدوات تعبيرها، إذا استمرت في البحث والتجريب في الفن، سيكون لها شان في الحركة التشكيلية، والأمل أن تكون كذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*