السيد سميح العلوي..عندما يصبح التشكيل سردًا مشاعريًا بين الفنان ومتلقيه
“الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومي”
بابلو بيكاسو
عندما تكون الموهبة حقيقية راسخة لا يمكن لمسارات الحياة الاعتيادية أنْ تدهسها في طريقها العابر، فهي تقفز بغتة أمام عينيك حتى في أكثر الأماكن والأزمنة غير الاعتيادية، تنتصب أمام عينيك فتشعر كأنَّهما قد تم غسلهما، وتدرك الجمال فيما حولك، في نهر صغير، في بيت على الشاطىء، في مجموعة من البيوت الصغيرة المتلاصقة.
هذا هو عالم الفنان البحريني (السيد سميح العلوي) الذي يلعب فيه الفن دورًا حيويًا، دورًا يجعلك تتوقف هنيهة لأخذ أنفاسك والتقاط الجمال فيما حولك.
ولأن موهبته كانت راسخة فإنَّ (السيد سميح) الذي بدأ الرسم في المرحلة الثانوية واضطر بعد ذلك لتركه بسبب دراسته فهو الحاصل على بكالوريوس الهندسة الكيميائية من الولايات المتحدة الامريكية ثم ماجستير الإدارة العامة من المملكة المتحدة ليظل ثلاثون عامًا يدير المشاريع الهندسية في شركة صناعة البتروكيماويات في البحرين وتطبيقات نظم الإدارة العالمية لإدارة الجودة والسلامة والبيئة لكنه وبعد كل هذه السنوات يعود إلى الفن التشكيلي، فموهبته قد اكتفت من التقاعد وعادت إلى التألق.
تستوعب أعمال الفنان البحريني (السيد سميح العلوي) المنظورات المختلفة، بل إنَّها تعيد صياغتها، في مساحات تشكيلية تسائل مفاهيم كثيرة منها مفاهيم الهوية والوقت عندما يتقاطع التاريخ مع الجغرافيا والمكان ليتمخض عن لوحات انطباعية ورمزية هادئة تدمج الطبيعة مع الثقافة وتطرح الكثير من مجازات بورتريهات البيئة إذا جاز التعبير مع إحساس قوي بطبيعة الزمان والمكان في لوحاته.
يخلق (السيد سميح العلوي) عوالم ملونة يمكن للخيال أنْ يتجول فيها حرًا طليقًا عبر بناء مناظر طبيعية انطباعية عميقة الطبقات لكنها مذهلة في بساطتها ولها قدرة ساحرة على ترجمة المشاعر البكر مما يطلق العنان للطاقات الإيجابية عند المتلقي فهو يخلق مجالات كاملة من الألوان التي تمس عصبًا عميقًا لدى المتلقي، فالعين حرة في اكتشاف الطبقات والرموز داخل مساحاته التشكيلية والتعرف على عوالمه المتدفقة التي يتعانق فيها الذاتي والعام والوطن.
تعتبر أعمال الفنان البحريني (السيد سميح العلوي) محفزة للفكر، هادئة، وقوية، وغنية ولديه قدرة هائلة على إبراز كل ذلك في طلة واحدة داخل لوحاته، أعماله مليئة بالعمق بنفس القدر التي هي تنضح فيه بعاطفة وإحساس فأعماله يغلفها الكثافة والوضوح.
يذكرنا استخدام (السيد سميح) للخطوط التشكيلية والملمس واللون بالجودة الشعرية لأعمال كبار الفنانيين التشكيليين العالميين فهي ثرية بالخيال الذي يحفزه طاقة فطرية وجمال داخلي خاص ينبع من تدفقات الموهبة.
في لوحات (السيد سميح) التي تصور المناظر الطبيعية حيوية راقية غير صاخبة نابعة من كونها أكثر حدسية وعفوية من أنْ تكون مخططة وأكثر إتقانًا من أنْ تكون غير احترافية، فهو يمتلك طريقة استثنائية في بنائه لطبقات الطلاء وتركيبها عن طريق إضافة اللون ونقله وطرحه مما يخلق في لوحاته فضاءات وآفاق من الجمال المتراكم طبقة تلو الأخرى مما يخلق سردًا مشاعريًا يتشاركه الفنان مع متلقيه ومحفزًا شعورًا بالسعادة الواعية.
يتألق الفنان (السيد سميح) من خلال أعماله وإنه لأمر غير عادي تلك الطريقة التي تنتقل بها كينونته وشخصيته من خلال هذا الشكل الفني الصامت في لحظات التلقي التي تكتسب فيها لوحاته حياة خاصة بها وتصبح كائنًا أكبر بكثير من مجموع العمليات الإبداعية المستلزمة لإتمامها.
استخدم الفنان (السيد سميح) الأضواء والظلال بشكل أعطى لها فاعلية قصوى مما أكسب لوحاته زخمًا دراميًا انبثق من ذلك التحاور والتجاور الهاديء بين الظل والنور مجسدًا تباينًا أبرزت عناصر مساحاته التشكيلية كما استخدم الألوان بمهارة بحيث ربطت بين تلك العناصر موحدة الكتلة العامة في اللوحة، خرجت الأشكال في اللوحة والألوان محققة وحدة عضوية منسجمة داخل كل متكامل يعمل كوحدة جمالية واحدة هي اللوحة.
تأثير البيئة البحرينية بمكوناتها الطبيعية والجمالية حاضرة حضورًا كبيرًا في لوحات العلوي -ألوانه، خطوطه، عناصر اللوحة- وضعت كلها في نسق تعبيري أبداعي ينطق بحبه وتعلقه بمفردات هذه البيئة ذات الخصائص الفريدة.