صدى الخبرة والذكرى لدى تشكيليين سودانيين مهجريين هواة

1/1/2020

0

د. أحمد عامر جابر / يناير 2020

في مؤلفه “الخبرة والطبيعة”، يقول الفيلسوف، عالم النفس والتربية، الأمريكي، الكبير، جون ديوي (صاحب مؤلف “الفن كتجربة”، الذي يعتبر من أهم ما كتب في علم الجمال): ” التواصل هو الأروع من بين جميع الشؤون”. انطلاقًا من مفهوم الخبرة وعلاقتها بالطبيعة ومفهوم الفن كتجربة، يسرني أن أتناول بقدر ميسر جوانب من سير حياة أو خبرات نفر من الفنانين التشكيليين السودانيين الذين خبروا الحياة في بلدهم وزادتهم أسفارهم في داخله وخارجه تجاربًا عبروا عنها بتفرد، مستلهمين فيه واقعهم الإفتراضي والمعاش، بل وذكرياتهم في مدياتها القريبة والبعيدة من أجل الكشف عن أعماق ذواتهم والتواصل مع الآخرين، لا في جحيمهم (كما يقول سارتر) أو فراديسهم (كما عند ملتون في الفردوس  المفقود) ولكن في تلك المشودة، أينما وكيفما وجدت. ما يلي عن  فناننا:

1) عبد الماجد محمد عبد الماجد

ولد في ولاية غرب كردفان في غرب السودان (مدينة أبو زبد في عام 1944). كان يعمل أجداده في صياغة الذهب وتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم وعلومه في الخلاوى أو المدارس التقليدية (قبل قيام نظام التعليم الحديث الذي تلى سقوط الدولة المهدية عام 1898) بجانب اشتغالهم بالزراعة. أما والده فقد تأهل في معهد بخت الرضا ليحترف مهنة التعليم وفقا للنظام التعليمي الحديث ليصبح معلمًا للغة العربية كما برزت موهبته كخطاط ماهر. جدير بالذكر أن بعض أفراد أسرته قد درس الفنون بينما عبر آخرون بقوة عن عشقها، من بين هؤلاء، والدته (ستنا العوض)، التي تعتبر من أوئل من حاك العلم السوداني ولبسه ثوبًا (الآن ترسم بقلم بجانب ابنها أحجام صغيرة  من وقت لآخر).

في ذلك الوسط المتعدد المعارف والمهارات، ترعرع فناننا الذي آثر إحتراف التعليم كمهنة، عبر تدريس اللغة العربية في منطقته، منذ باكر شبابه. كذلك زاول هواية الفن الذي هيأ له فرصة العمل بدار النشر التربوى في رئاسة وزارة التربية والتعليم في العاصمة الخرطوم. كان ذلك إثر ترشيح مفتش تربوى وقف على تجربته كفنان ومعلم، أثناء مراقبته له في “مدرسة لقاوة الأولية”، عام 1966. في الخرطوم إلتقى، كوكبة من الفنانيين و التربويين البارزين أمثال: ابراهيم ضو البيت وإسماعيل محمد الأمين ليزامله لاحقًا آخرون، زاع صيتهم: شرحبيل أحمد، عبد الله بولا، بكري بلال، هاشم كاروري، سيف بادي وعبد العظيم بيرم وغيرهم.

بعد فترة حافلة بالعمل والسفر داخل السودان زار فناننا عدة دول أروبية  قبل إستقراره في بريطانيا عام 1982، حيث أنجز دبلومًا عاليًا في اللغويات، في جامعة لندن، التي عمل بتدريس اللغة العربية فيها لعدة سنين. ذلك قبل إلتحاقه 1985 بأكاديمية الملك فهد، التي واصل تدريس العربية في جميع أقسامها ويعتبر من أوائل مؤسسييها. في لندن التي عاش فيها جزءًا كبيرًا من حياته ووقف فيها على تجارب غيره في شتى المجالات، لم ينقطع عن ممارسة الفن التشكيلي كهواية أثيرة. لذا لم يك غريبًا أن يخصص وقتاً مقدرًا لها، كانت من نتائجه، إقامة معرض فردي، بعد تقاعده (في مكتبة وليسدن قرين، أغسطس 1917). هذا بجانب سعيه  الدؤوب من أجل تطوير معارفه ومهاراته كفنان.

باختصار، شهدت أعماله بشكل عام تطورًا ملحوظًا، فمن الرسم التخطيطي السريع بقلمى الرصاص والحبر الجاف لمناظر طبيعية ووجوه أشخاص عامة، أصبح التوسع والتعمق في تناول معالم طبيعية محددة وأشخاص بعينهم سمة بارزة لا سيما المستلهم من الذاكرة. لذا، لاغرابة في أن يكون لحضور طبيعة غرب كردفان وإنسانها قدحًا معلى في معظم الأعمال، هنا، تجدر الإشارة، الى أن رسم وتلوين المرأة هما الأبرز. عن فلسفته تجاه الفن عامة وحضور المرأة في أعماله خاصة، يقول الفنان الفيلسوف (درس الفلسفة بجانب العربية في جامعة الخرطوم، 1975): “مهمة الفن في نظري هى البحث عن الجمال وصناعته لتخفيف قسوة الحياة وأرى فيه تجارب روحية تأملية تقترب من العبادة ولا غرو أن قال معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم: (حبب لي من دنياكم ثلاث، الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة)، فانظر، لا شىء مادي هنا، و لا تعجب إذن أن كان معظم ما يستهويني، هو وجه المرأة لا لرغبة حسية أو نزق).”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*