رامزي شاهين: رحلة فنية بين الخيال والواقع
بين لبنان وكاليفورنيا، رسم رمزي شاهين ملامح ذاته.
رامزي شاهين فنان أمريكي من أصول لبنانية، وُلِد ونشأ في بلدة ساحلية هادئة في ولاية كاليفورنيا، على شاطئ المحيط الهادئ، حيث بدت الحياة هناك بسيطة ومتناغمة. لكنه، منذ صغره، لم يكن يعيش هذا الهدوء داخله. فقد كانت لياليه تهتز بأحلام غريبة وواضحة إلى حد مخيف، لدرجة أن جسده بدأ يستجيب لها بأعراض كالربو والألم. كانت الكتابة ملاذه الوحيد للتعبير عن تلك العوالم التي تزوره ليلًا. والتي سرعان ما فتحت له الباب نحو الرسم وهو في سن الرابعة عشرة، في لحظة فطرية تحوّلت سريعًا إلى شغف يومي.
يعيش شاهين ويعمل حاليًا في مدينة نيويورك، وتتميّز لوحاته بالبحث العميق في النفس البشرية، وبالطبقات الغنية من الألوان والقوام، التي تعكس هوسًا بالتفاصيل ورغبة في الغوص في أعماق اللاوعي.

رسم رامزي أول لوحة له أمام المرآة وهو في السابعة عشرة من عمره، مستعينًا بأدوات رسم أهداها له أحد أصدقائه. قضى ست ساعات كاملة يغوص فيها في تجربة الرسم لأول مرة، ليكتشف حينها شغفه الحقيقي. لم يتلقَّ تعليمًا فنيًا أكاديميًا في البداية، بل علّم نفسه بنفسه، قبل أن يدرس الأدب ودراسات الأديان في جامعة نيويورك. كان يقسّم وقته بين الدراسة، الفنون القتالية، والرسم، حتى بدأت لوحاته تجد طريقها إلى من يقدّرها، فباع أول عملين له قبل التخرج، ما أكّد له أن الفن هو طريقه.
تأثّر رامزي بأعمال كلاسيكية مثل أعمال مايكل أنجلو ولوحة “سقف كنيسة سيستين”، وأعمال غوستاف كوربيه. ورغم أنه ابتعد قليلًا عن الطابع الأكاديمي التقليدي، إلا أن فنه حافظ على حس درامي عميق، متأثرًا بلوحات عصر النهضة والفن الكلاسيكي، إلى جانب التكوينات الحداثية والرمزية.
رؤية فنية متجددة
يقول رامزي إن الرسم أصبح وسيلته لفهم ذاته والعالم، حيث “اللوحة ليست مجرد وسيلة بصرية، بل طريقة لتجسيد المشاعر العميقة”. انعكس ذلك بوضوح في أعماله الزيتية التي تتميز بالدقة والملمس الكثيف والتفاصيل المهووسة. وظهرت هذه الخصائص بشكل لافت في سلسلة صوره الذاتية، التي لا تنبع من نرجسية بقدر ما تُعبّر عن الهشاشة الإنسانية.
ما بين الكتابة والتحليل النفسي
بدأ رامزي الكتابة قبل الرسم، وقد انعكست هذه الخلفية في رؤيته البصرية. تأثره بالتحليل النفسي، لا سيما بنظريات كارل يونغ حول اللاوعي والأنماط الأولية، ساعده في التعبير عن مفاهيم الهوية، القناع، والتكوين النفسي العميق. صوره الذاتية ليست فقط تمثيلات بصرية، بل محاولات لفهم الذات من الداخل واستكشاف الأقنعة التي نرتديها.
بالنسبة له، الفن امتداد لرحلة داخلية. لا يبحث عن الجمال السطحي، بل عن الصدق، كما يذكر عند حديثه عن رسوم ما قبل التاريخ التي تُجسّد صدقًا غريزيًا كان ضروريًا لتلك الحضارات.
التجريب والانفتاح
لم يكتفِ بالأسلوب الواقعي فقط، بل اتجه مؤخرًا إلى مرحلة تجريبية تمزج بين الرسم والنحت والرسوم المتحركة. افتتح مرسمًا في جبيل، لبنان، وبدأ برسم وجوه مستوحاة من المنحوتات القديمة، في محاولة لخلق عالم معاصر متجذر في الأساطير. يدمج بين التأثيرات المعمارية القديمة ونبض نيويورك، ويستعين بالمواد التقليدية كالرسم الزيتي، ويحولها إلى وسائط متحركة وحيّة، ما يعكس رغبته الدائمة في التجديد.

يستلهم من الأساطير والكتب والفلسفة وعلم النفس، ويرى في كل تفصيلة عادية إمكانيات كبيرة. “إذا أمعنت النظر، فإن الشيء ينكشف لك بطرق مختلفة”، كما يقول. حتى الورقة المتساقطة أو ظل على الحائط قد يتحول إلى قصة عميقة.
في الختام
رامزي شاهين هو تجسيد حي للفنان الذي لم يختر الفن، بل اختاره الفن. يذكرنا أن لكل منا نداء داخلي، وأن الشجاعة في الإصغاء له قد تقودنا إلى طرق لم نكن نحلم بها. في أعماله، يجتمع الخيال والأسطورة والواقع الشخصي في توليفة صادقة لا تسعى لإبهار العين فقط، بل لمس القلب والعقل معًا.
للتواصل مع رامزي شاهين:
إنستغرام: ramseychahine
تابعوا رامزي لاكتشاف المزيد من أعماله الفنية وإبداعاته المميزة!