العزف أنواعه متعددة، منها ما نسمع موسيقاه فتدق فى أعماقنا وتتناغم فى آذاننا لنعيش عالم من كتب القطعة الموسيقية ومن عزفها ويحدث ذلك التحول الداخلى للنفس وما تفعله نغمات الموسيقى كأنها معزوفة الحلم. وهناك معزوفات موسيقية نراها بالعين كضربات الأوتار التى تصدح فى سماء الفن وعالمه ونتعلق بها ولا نتركها والتى تتمثل فى معزوفات – أقصد أعمال – الفنانة ” ميار نايل ” التى اختارت مادة خاصة وهى الحرير والتل تعزف بهما لوحات وأشكال تعلق بذاكرة من يرى هذه اللوحات وكأنها قطع من الموسيقى التى تبعث فى النفس الراحة والسرور وفى ذات الوقت تأخذه عاليًا فى سماوات الإبداع الراقى.
دعنا نرى إحدى هذه اللوحات وهى لقطة جانبية لامرأة تتطلع لأعلى، نرى فى تكوينات التشكيل وهى خيوط، تفجر الطاقات الإبداعية للعمل الفنى ذاته معه توترات الشكل وتفاصيل النظرات .إن الفنانة تضعنا أمام تناول متميز للخامة ذاتها وكأنها احساسات وشبكة معان – إن جاز لنا هذا التعبير – لتعبر عن ملامح الشخصية من جانب وتكوينها النفسى وطبقتها الاجتماعية وفى ذات الوقت حالة الترقب التى نراها فى ملامحها وتوتر الخطوط المشدودة فى منطقتى الرقبة والظهر كأننا أمام عزف موسيقى وترجيع له فى ناحية مقابلة.
فى لوحة أخرى نرى الوجوه المتجاورة ونحس فى هذه الوجوه بإعجاز التكوين داخل كل وجه وفى ذات الوقت تشابك الوجوه وكأن بينها سيالا من المعانى وشرايين الحياة . إن الفنانة تبعث من خلال الخيوط نبضات قلب ودفقات إحساس داخل ملامح كل وجه على حدة . فنرى حالة من التوقف أو الاندهاش أو الترقب وفى ذات الوقت نرى الصمت المفضى للحزن فى أحد الوجوه التى تشرد نظراتها فى تكوين شديد البراعة والجمال فى ذات الوقت .
أتوقف فى لقطة ثالثة ليد، إنها ليست يدا عادية، إنها شرايين حياة.نرى اليد المشكلة من خيوط تترابط بأطراف معان فى النفس، ونرى اليد الأخرى التى تشكلت من ظلال الضوء على السطح، تشابكت اليدان أصلا وظلا لنندهش من دقة التكوين وامتداد الرؤية، إننا – أيها القارئ العزيز- أمام فنانة لها رؤية vision فى تفصيلات اللوحة كعمل فنى متكامل وفى ذات الوقت تعامل رائع مع امتدادات الظل والنور فى براعة تجعلنا نرفع القبعة عاليا لهذه الفنانة المبدعة.
فى اللوحة الأخيرة من أعمال هذه الفنانة، نرى الوجه الذى تشكل، صمت فى الملامح وتأمل فى النظرات هل هذا الوجه جزء من تكويننا السيكولوجى، هل يعكس حالة صمت تنتابنا أحيانا لمواقف حياتية شديدة التعقيد، لا أدرى المهم أن اللوحة فى قسماتها ومعزوفات ودقائق تشكيلها تعكس حالة نلمسها فيمن حولنا، بل فينا نحن أنفسنا من نعايش الحياة والأحياء، نعايش المر والحلو فى ذات الوقت.
أتمنى فى هذه العجالة القصيرة، أن أكون قد ألقيت الضوء على جوانب من معزوفات – أقصد إبداعات –الفنانة ” ميار نايل ” التى تستخدم خامة جديدة ألا وهى خيوط الحرير والتُل فى نقل مشاعر شخصيات وأبطال وبطلات أعمال فنية لها من العمق والتأثير الكثير فى النفس والروح والقلب ، فألف شكر وتحية لهذه الفنانة القديرة والمبدعة .