مساحة إبداع طفوح للتشكيلية المغربية عزيزة سوزان رحموني
العربي الرودالي
باحث في سوسيولوجيا الأدب والفن
هي مشتغلة على كل الإبداعات… تجمع بين التشكيل بألوانه، والشعر بقصائده، والإعلام بتواصلاته، والحوارات بكل الثقافات، والترجمة بأكثر من لغة … وتلك هي مساحة الإبداع، لدى فنانة شاسعة التعدد بروح متخيلاتها.. إنها عزيزة سوزان رحموني المغربية حتى التربة والتراث والمجتمع، إلى حد الطفوح.
فاللوحة لديها هنا تحتفظ بموضوعها المركز، على تيمات إنسانية وطبيعية حركيا، وعلى نموذج تحديثي في تعابيره، وعلى خطاب رؤيوي حالم… وقد حدث الاشتغال عبر فنية هادئة، وتعبير مرهف، وتقاطعات تواصلية.. فكان بذلك أن انمحت الخلفيات الورائية التي قد تتيه بكل موضوع وهاجس… من هنا لجأ التشكيل إلى تبسيط له بسلاسة، عبر ألوان قزحية تدغدغ المضامين، لإبرازها وتقريبها من تلق، يتجاوز احتوائيات معتمة، لمخيال غموض.
فلا يتسنى لمتلقي المشاهدة والتأمل، إلا أن يتملى في مضامين متحركة نحو بعضها، محوا لتناثراتها… إذ أن كل جزء بما هو عليه من إلزام يجعل المشاهدة مرغوبة، لا حياد عنها تشويقا وانجذابا، في تتابع ملح، تحت سلطة استمالة منيعة المقاومة.. فهذا ما يحفز اشتغال العين على ألا تفارق بصرها وبصيرتها، تحريا وتدقيقا لكل ما تولد ويتولد عن الريشة وإيحاءاتها.. وهكذا تصبح العين ملزمة بأن تكمل رؤاها، عبر الأجزاء شموليا، فترتبها متحمسة لتحادي بعضها البعض، من أجل الاقتناع بأن الكون لا يليق به إلا أن يتركب من أجزائه، في كل مجال متسع، على امتداد مساحة إبداعية طموحة.
إن تماسات هذه المخايطة التجزيئية، هي ثورة فنية هادئة على وهم الكمال المفترض لتحقيق الاكتمال المحقق… فهناك تقاربات سوريالية بين مجموع أعمال هذه الفنانة تشكيليا، لتوظيف إمكانات التقريب بين كل التباعدات، وبمنطق فني إيحائي، إضفاء لجماليات متخيلاته وتحويرا لكل تشيئ، من الظاهر إلى الباطن.. وكل ذلك من خلال إلفات النظر وجذبه عبر تموجات الكثير من الألوان البصرية المعبرة، والتنوع المشخص لكل حركة في لوحتها، بتقنيات أسلوبية تثير تفاعلا مع المتلقي.. فتشكيل الفنانة عزيزة سوزان رحموني له سمة متجددة، ضمن شمولية مجموعه، متميزا بكونه لا يشبه إلا كنهه، حيث لا يكتفي بالخطوط وألأوان، بل برؤيته الشاسعة والتي تسائل الإدراك، ضمن مجال تخييل ماورائي، عما لا يفارق العين المتأملة.
