“مرافيء” للفنانة المبدعة “رندة فخري” وعالم من الفن الجميل
عرض: محسن صالح
تعد المعارض الفنية قطعة من ذات الفنان مبدع اللوحات أو الأعمال المعروضة ، بل إنها قطعة نابضة من وجدانه ومن احساساته ، نرى فيها ذات الفنان أو الفنانة ونحس بما يحس به أبطال أو بطلات اللوحات ، ونشعر في خاتمة المطاف بأنفسنا وذواتنا بعد المرور بهذه التجربة الفنية . إن زائر معرض ” مرافيء” الفنانة الدكتورة ” رندة فخري” بقاعة النيل بالزمالك يحس بكل هذا وزيادة . تحرص الدكتورة ” رنده” دائما على تقديم سيمفونية جميلة من لوحات الفن التشكيلي ، تجعلنا نغمض عيوننا كأبطال لوحاتها الذين يعيش أغلبهم في حالة استبطان للذات وتأمل للداخل ونحن نراهم ولايروننا.
نتوقف أمام عنوان المعرض ” مرافيء” ونحس كأن الفنانة تقدم لنا مرافئ العبور إلى ذواتنا وفهم من حولنا في لوحات ذات تشكيل لوني وبناء ومعمار داخلي معبر . تمتد لوحات المعرض علي أكثر من غرفة حتى أننا نحس أننا في تطواف جميل في عالم الفن البهي . الألوان ليست صارخة فالفنانة المبدعة تعزف على ألوان هادئة هامسة تصاحب وتتناغم مع موضوعات اللوحات ، ذلك المعرض الذي لوسأطلق عليه كلمة ستكون ” البراءة” في أعمق معانيها ، براءة نراها وتلقائية تخاطب في أعماقنا الطفل الذي يندهش والشاب الذي يتأمل والفتاة التي تتوقف والكبير الذي يفكر والناقد الذي يعيد النظر المرة تلو الأخري .
إن لوحات الفنانة المبدعة هي الحياة في تناغمها وتفاعلها ، في انسجامها وتوترها وكأني أري عالما ثريا أمامي ، نرى الفتاة مع سمك الزينة ونحس بالفرحة في ألوان اللوحة وألوان الأسماك ، بل نرى اللوحة كلها صارت عالما تشارك فيه بطلة اللوحة من حولها . إن ذلك التفاعل مع عالم الحيوان وعالم الطيور والورود والفراشات لدلالة علي إعمال فكر من جانب هذه الفنانة المبدعة . في لوحة نرى فيها الأرانب الأربعة ونتوقف أمامهم ونشاركهم عالمهم لدرجة أننا ندخل إلى أعماق اللوحة بوجداننا، إنه الفن الجميل الذي يأخذ النفس لعالم حلو.
في لوحة أخرى نرى فتاة مع الأوزات حولها وكأنها تذكرني بلوحة الأوزات الشهيرة في الحضارة المصرية القديمة ، هنا نشعر بسيال عاطفي بين هذه الطيور وبطلة اللوحة التي تلتفت إلينا والآوزات ينتبهن لها في تفاعل وأخذ ورد بين لوحة جميلة يغلب عليها لون البراءة الأبيض. في لوحة أخرى نجد فتاة مع جرو صغير وبجوراها أمه حيث تتفجر من اللوحة علاقات المحبة بين عالم الانسان وعالم الحيوانات في براءة تعيدنا لمعان غابت عنا في عالم القسوة الذي نعايشه.
أما لوحة الشاب الذي يدعو وحوله الطيور وقد حطت علي كتفيه ، أحس أنها من أحلى وأجمل لوحات المعرض حيث نشعر بتلك الروحانية التي تقرب عالم الطيور من سكينة الإيمان والدعاء، ساعد على ذلك اللون الأبيض الطاغي على كل أرجاء اللوحة والذي ساعد علي معايشتنا لهذا العالم الشفيف . هناك لوحة رائعة لعلها تعكس مانعايشة من وباء الكورونا حيث نرى بطلة اللوحة ترتدي قناعا هي وقطها أو قطتها ونضحك من براءة المشهد وتفاعل الحيوان مع بني البشر.
وندرك من بعض اللوحات أن الحب والقرب يجعلان الحيوانات تقترب من بني البشر مثال الدب والقرد وغيرهما ولعل الفنانة تريد أن تنقل لنا رسالة هي رسالة التواصل بين كل كائنات الحياة بين الطير والحيوان والانسان. ولو تأملت –عزيزي القاريء- لوحات هذا المعرض الضافي ستجد أن نظرات أبطال وبطلات اللوحات فيها تأمل وفيها فكر ولعل الفنانة تريدنا أن نتوقف أمام هذه الأعمال لفترة ، نراها ونحس بها ونسبر أعماقها كما تفاعلت بداخلها وخرجت في رونق وبهاء وجمال.
نلمح الزركشات في اللوحات و التي نراها في ملابس بطلات اللوحات وأبطالها ، إنه الجمع بين الديكوباج أو فن التزيين و هو فن استخدام الورق القديم لعمل لوحات فنية جديدة (بالفرنسية découpage) ، وذلك مع الألوان الزيتية وكأن الفنانة تريد أن تقول لنا أن الحياة في حاجة إلي توظيف أكثر من طريقة وأسلوب فني لنقلها في اقتدار بالغ وبدقة ومهارة واضحين . هذا الفن ” الديكوباج” أضفي في توظيفه الرائع علي اللوحات جمالا علي جمال حتي كأننا نغترف من معين الحياة الذي لاينضب سكاري من روعة اللوحات فننتشي ولانفيق.
وأجدني في إحدى اللوحات أحس بالفنانة وأرى ملمحها ، وكأنها أرادت أن تقدم لنا مفتاح فهم معرضها وفهمها وهى اللوحة التى أرادت الفنانة لها أن تكون أمام الداخل للمعرض ، حيث نرى بطلة اللوحة القريبة الشبه بالفنانة تقترب من إحدى الفراشات وحواليهما الورود وكأنها تريدنا أن ندرك تلك النغمة التي تتردد داخل لوحات هذ المعرض الضافي ، سيمفونية التفاعل مع الطبيعة ومع عناصرها في حب وتراحم وتفاؤل .
تنتهي قراءتي للوحات معرض الفنانة المبدعة الدكتورة ” رنده فخري” و الذي يأتي تحت مسمي “مرافيء ” كأنه نور يخرج من قاعة “النيل ” لينير جنبات الزمالك و القاهرة. نحس حيال ابداع هذه الفنانة المتألقة بأننا حيال سيمفونية تتردد نغماتها هامسة، صاعدة وهابطة وفي كل هذا تدخل قلوبنا وتدخلنا في ذات الوقت لعالم ندر أن نجده في أي معارض أخري ، إنه الفن الذي يأخذ العقل و القلب وتذهب النفس في تفسيراته كل مذهب فألف تحية لمبدعة هذا المعرض الضافي .