لوحة.. من أين نأتي.. ما نحن.. إلى أين نحن ذاهبون”
كَتب/ محيي الدين ملك
يصف بعض النقاد (الموضوعيين) أعمال (بول غوغان) بأنها خروج عن / على (سياق التصوير)، وبأنه مبتكر الأشكال والمضامين التي لم تُبتكر مثلها في تاريخ الفن الحديث إلا ما قلَّ ودلّ. ويشيرون ببلاغة بعيدة عن المبالغة أن أمواج (روسو) قذفته على شواطئ (هيدجر) (افتراض مسبق للقراءة) في منحاه الأنطولوجي ومُقتربه في أصل العمل الفني، وعلى هذا الأساس يتم ” قترافات التأويل” كقراءة خارجة على النص. من هنا يمكن النظر إلى العوالم الممكنة لـ (غوغان) بسهولة ويُسر، لأن (غوغان) – من جهة – طرد الأشكال والموضوعات المحافظة من أعماله بطريقة “متمردة” وصفها البعض على أنها “بدعة” و”وقاحة”، ومن جهة أخرى، واصل “غوغان / الإنسان” مطاردة أشكاله في محاكاة تحاكي البدائية للبدائية والفطرية للفطرية حتى بلغ به المطاف “تاهيتي”.
قد يكون ما سبق تمرينًا ذهنيًا لمقاربة العنوان (الكائن اللغوي) باللوحة (المنطوق اللوني) المرفقة، فقد اختار لها عنوان كبير: “من أين نأتي.. ما نحن.. إلى أين نحن ذاهبون” (مسموح في صرفه الوجودي المتأزم، وممنوع بحسب قواعد العنونة التي كانت دارجة آنذاك)، وعنوان طويل بمفرداته، ومربك في دلالاته، أدرجه (غوغان) باللغة الفرنسية وبأحرف كبيرة في الزاوية اليسرى / العليا من هذه اللوحة ، دون أن يتضمن العنوان لازمة من قبيل (؟ / ! / _ … _ / ــــــــ). وقد أشار (غوغان) بأن اللوحة يجب أن تقرأ من اليمين إلى اليسار وفق المجموعات الثلاث التي تدل على الأسئلة المطروحة في العنوان، المجموعة الأولى، كلب (مفتتح العمل) وثلاث نساء وطفل (إشارة إلى المرحلة الأولى من الحياة) وتمثل الطبيعة والفطرية وبداية الحياة، أما المجموعة الثانية فترمز إلى حياة وحيوية الشباب و(منتصف الحياة)، وأما المجموعة الثالثة، امرأة عجوز، وتمثل (مُخْتَتَم الحياة) حيث تقترب من الموت ويبدو عليها الترهل، وعند قدميها طائر أبيض يمثل الكلمات في نهاياتها (الجوفا)، والتمثال الأزرق في الخلفية يمثل ما وصفه “غوغان” بـ ”بعدها / أو وراء”.
أخيرًا، قال (غوغان)عن هذه اللوحة: “أعتقد أنها لا تفوق سابقاتها فقط، بل أني لن آتي بأي شيء أفضل أو حتى شبيها لها”.