عرض: محسن صالح
يحلو بينى و بين نفسى أن أطلق على الفنان الكبير والمبدع الدكتور أشرف زكى ، فنان التفاصيل المعجزة . تواجهك مشكلة مع أعمال هذا الفنان المبدع ألا وهى الدقة والتفاصيل المعجزة وتخرج من تجربة رؤية لوحاته وأنت تصرخ من الفرحة والنشوة والبهجة فى ذات الوقت . الروعة والدقة فى كل شئ ، فى الفكرة التى تعبر عنها اللوحة ، فى الألوان وتشكيلاتها الحلوة المتراكبة فى سيمفونية معجزة ومبهجة ، الخطوط والزاويا التى تتشابك فى معمار اللوحة الفنى كأنها نسيج الخلايا فى الكائن الحى حيث العشرات من الجزيئات الدقيقية المعجزة . إننا أمام فنان عالمى على أرض مصرية ، فنان أراد لفنه أن يكتمل فصار كما أراده معمارا قائم الأركان أصيل البنيان جميل اللمحات لاتلمح فيه أى مأخذ ، فتندهش –عزيزى القارئ – ويزداد إعجابك حين ترى الفنان الكبير ببسمته المحيرة وببساطته ولين الجانب فى التفاعل مع الأخرين.
إن معرض ” كوم الدكة” دهشة متفردة ، كدهشة الاكتشافات العلمية الجبارة ، إنها دهشة اكتشاف المكان ورسم أدق التفاصيل فى غلالة من حب المكان . إنه رسالة علمية تسجيلية كاملة – إن صدق التعبير- عن مكان أصيل فى الأسكندرية له الحق أن يفخر أن تناولته يد الفنان المبدع الدكتور أشرف زكى . الدهشة تتبعها الحيرة فى أى اللوحات سنكتب عنها وعن أى روائع الجنبات سنتحدث ونحن نرى أن اللوحات ينافسن بعضهن البعض في سلم الجمال والروعة والتأثير. إن لمسة التاريخ والقدم وتأثير الزمن على المكان وعلي الأفراد وعلى العادات وعلى البنايات وعلى المهن وعلى الممارسات التى نراها ونحس برجع نغماتها فى لوحات هذا المعرض الضافى .
لوحات تمتحى من واقع جميل وتلمس أوتار الروح وتدق على مكنونات النفس . ولو أريد لهذا المكان من خلود لما وجد غير ريشة هذا الفنان المبدع تخلده وتعبر عن مكنوناته وتضعه فى العقل والروح والنفس . لقد ذكرتني هذه اللوحات بأعمال الحملة الفرنسية حينما سجلت الحضارة المصرية القديمة وسطرت آثارها فى سجل التاريخ وعقل البشرية . و نرى الروعة كل الروعة فى النقل على دقة تفصيلاته الحلوة الملغزة لرائى اللوحة ولكننا نصرخ من الفرحة لتفوق الفنان وإبداعاته الجميلة.
حقيقة لا أستطيع أن أمسك نفسى ومشاعرى عن التعبير عن عظم التأثير للوحات هذا المعرض الضافى على نفسى وروحى وعقلي لقد تلبثت فى حالة “كالنيرفانا” حال رؤيتى لهذا المعرض ومن خلال متابعاتى وجدت أن كل من يراه تحدث له ذات الحالة من الجيشان العاطفي فكان لابد أن تكون هذه الكلمات والتي تلخص فى ظنى أن الفنان حلق فى سماوات عدة فى إبداعاته الفنية ولابد لنا من أن نرفع القبعة تقديرا لهذا الفنان المجيد والمبدع والعبقرى والمجدد.
المكان له سحره وله تأثيراته على كل منا ، والمكان له قداسته وله كينونته وله خصوصيته ، بل وله ناسه , و مفرداته وألغازه و حواراته غير المنطوقة . و تعجب – عزيزى القارئ – حينما تجد كل ذلك متجسدا فى لوحات هذا المعرض فى لوحة جدارية أرى أن أرفقها فقط مع المقالة لأن أى كلام عنها مهما كانت بلاغته لن يوفيها حقها ، نرى فيها التفاصيل الدقيقة لكوم الدكة حيث لمسات الفنان ودقته فى نقل واقع ثرى وحافل ومتراكم ، إنها اللوحة المعرض أرفقها فقط .فى لوحات المعرض الأخرى نرى لقطات من عمائر تتراوح بين القديم و بين الجديد الذى زاحم القديم و لكنه انصهر معه ونرى كل مفردات المكان تترابط و تنصهر مع بعضها البعض و نرى لون اللوحة اللون الدال على القدم اللون البرتقالى أو الأصفر نشم فى هذا اللون القدم و نسمع صوت الفنان سيد درويش وهو يعانى مخاض أعماله الموسيقية و روائع النغم ، بل نسمع جدران المبانى وهي تحكى أحداث الزمان . ولايغيب عن لوحات الفنان الكبير التعبير عن تكدس الواقع بزخم من تفصيلات نراها فى الحارات القديمة والمناطق التاريخية مثال شارع المعز ، نرى التفصيلات التى نراها فى الحارات والتى تدل على البساطة وعلي الحياة القريبة المباشرة ، حيث لاتعقيدات . نرى ذلك فى ألوان الشبابيك الزرقاء التى أراد ساكنوها كسر ملالة لون الواقع بتلقائية. كل هذا ترسمه ريشة أرادت أن تخلد المكان فى ذاكرة التاريخ .وحين يقترب الفنان من الأبواب ، أحس بشجن خاص ، فالآبواب هى عناوين البيوت ، والأبواب هى بوابات الماضى والبوابات هى الممرات إلى عمق التاريخ . لقد أجاد الفنان فى رسم بوابات المنازل القديمة وكأنها تحكى لنا بتركيبها وألوانها وأشكالها الماضى الحى ، بل إننى أسمع أصوات كل من قطنوها ,ونسمع أحاديثهم وعباراتهم وكلماتهم بل ونسمع أحيانا بكائهم . إننا أمام لوحات نابضة بالحياة ، نابضة بالمعنى . والعجيب أنك تجد نفسك فى قلب الماضى مباشرة .إنه الفن الذى يأخذنا إلى حيث الجمال والرونق. وفي لوحات المساء أو الليل ، نجد روعة الظل والنور ونرى شغف الفنان أن يرسم حى كوم الدكة فى كل أحواله ، نرى هذا الحب وندركه ونعرف مداه . نرى مفردات الحارة المصرية فى المساء ، نرى ألوان الزينة ، نرى الشبابيك ، نرى الغسيل المنشور ، نرى الأبواب ، نرى الأسلاك المختلفة ، كل هذا فى غلالة من الضوء كأنها الحلم . إننا نرى هنا الحارة بكل جوانبها وبكل همساتها وخطوطها حاضرة أمامنا ، إنه ابداع الفنان. نلمح كذلك الباعة و نلمح النباتات ونلمح أعمدة الإنارة كل هذا الحشد عبارة عن أنغام تتآلف لتكون لنا سيمفونية اللوحة التى تأخذ بالألباب.أحس فى خاتمة هذه العجالة بأننى لم أحط بكل جنبات المعرض الضافى معرض ” كوم الدكة” للفنان المبدع الدكتور” أشرف زكى”والمقام فى قاعة “خان المغربى”بالزمالك ؛الذى جعلنا نعيش حالة التفاعل مع المكان ونعايشه ونحن نرى فى اللوحات واقعا شكلته ضربات فرشات فنان فى معرض عالمى على أرض مصرية. ألف شكر و تقدير للفنان المبدع على هذا المعرض الضافى.