البارحة طاردتُكِ
في بَجعاتِ الدّخان
وهرولتُ خلفَ سجائري، كالمجنون بين أعقابِها
أحاولُ القبضَ على هُدوبِ شالكِ الأزرق
كأنّكِ استعرتِني
كلّ شيء فيكِ كان يهرُبْ
قلتُ ربّما تختبئين في سيڨاريَ الكوبيَ
فنفختُ كأنّ السّاعةَ ستقوم بين أصابعي لو لا أفعل!
أمسكتُ المكبحَ اليدويّ، ونظرتُ إلى يميني
ربّما أنتِ هنا، بعباءة الإخفاء
انتظرتك، انتظرتُ يدكِ انتظرت
ولم تنبثق على إيهابي الجداول والسّهول
لا أزال مثل يرقةٍ أختنقُ بظلامِ الكونِ في سيّارتي
في الشّمسِ، في الدّنيا
وأشياؤكِ التي مثل ساعاتِ حبٍّ ضيّعتُها مِنّا
ها هي لا تلِدُكِ، فأرفرف أخيرا!
ونزلتُ إلى حاناتِ الكلام،
أفتّش عن أحمرِ شفتيكِ في الكؤوس
نهبَني عِنبُ النّدمِ الحامضِ عن طعمِكِ
فصرتُ صَرَعًا على قدمين
لستُ أذكرُ أين أقلّتاني
عدا بعضِ الغيمِ منكِ
وجدتُه في السّاحات..
والبارحةَ بتّ ساهرا مع كلّ فراغٍ لمستِهِ وأنتِ تختلسين الحُبّ إليّْ
أنا نادمٌ لأنّي لم أشربكِ
ولم أمضغكِ ولم أَبلَعكِ
وتركتُكِ تفعلينَ بي ذلك
بضِحكاتِكِ العارية على الفيزياءِ
والكيمياء
والأخطاءِ الشّائعة
وأصدقائي…
لقد كنتُ حِمارا حقّا
حين لم أفهم تردُّدَكِ على السّفاراتِ
وتحدُّثَكِ الماجنَ مع الجدران الإفرنجيّة
وأخطأتُ تقديرَ تعبِكِ في سعيِكِ بين التّذكر والنّسيان
تُراجعينَ عباراتٍ إيطاليّةً مع العابرين
وأنا أحترق
هل بتلك الطّريقةِ كنتِ تشتاقينَني؟
ونفَختِها كالرّوحِ في أذني:
Sei un asino””
فيا لي مِن حيوانٍ لأنّي غضبت
وأستحقُّ أن أُصلَبَ على العَلم الإيطاليَ ليُشَهَّد بي
الآن أطاردُكِ في كلّ ما تبقّى بقاموسي:
“نشتيك”
بقدرِ ما تسلّختِ وأنتِ
تركضينَ نحوي بكعبِكِ الفِضّي من القِطار إلى المطار
وتركتُكِ محطّةً خلفي لأقُنِعَ أحلامي بالزّحف
فقط لكي لا يرى أحدٌ،
كيف أرضَعُ من عينيكِ،
تركتُكِ تجفّين.
قوليها هكذا مرارًا:
“أنتَ حِمار”
فيمكنُ لأيّ كاهنٍ في اللّغة أن يقدّمني قُربانا لأنّي
بِعتُكِ بالصّمتِ للإيغو السّافِل
لو يكافئونني بأيّ عقوبةٍ تُنسيني بأنّي كنتُ كلبًا
حين رأيتُكِ تلهثين ولم أحمِلكِ على قُبلة
لأنّي لم أحشُر في جيبِكِ رقمَ الغُرفةِ التي سألتهِمُكِ فيها
لأنّي مستعدٌّ لأَرهنَ عِرقَ رُجولَتي عند نبذةٍ مِن جِلدِكِ،
وأتمدّدَ فيهِ مثل راعٍ
على عُشبِ القيلولة..
اليومَ أيضا استعصيتُ على نفسي
كأنّي أرتديها بالمَقلوب، أو لم أُقفِل أزرارَ قلبيَ بالتّرتيب
لا يعنيني أن أتدحرجَ أو أمشي
الأرضُ تُشبهُ انزلاقَ إصبعي في حافّة علبة المربّى المعدنية
وأنا أحاول لعقَها
حذائي علبةٌ مازوخيّة
كلّ شيءٍ يؤدّي إلى جراحٍ غيرِ مرئيّة
لا يمكنني أن أشكوَ منها لأحد
وليس جديدا عليّ أنّي أستيقظُ من أحلامي بكِ
لأعُدَّ خسائري
منذُ رحلتُ عنكِ توزّعتُ مثل الغنائم
على ابتساماتٍ مُعرِبَةٍ ببلاهة، لا توقظُ بي سوى المزيدِ من الموت.
كنتُ أنوي حين انسحابي من المجالسِ
أن أنتحِرَ وأعود
دخّنتُ العالَم
وعدتُ مندهشًا لأنّي لم أختنِق
أنا خرابٌ يُعسِّلُ الزّفراتِ ليُسرِّحَ شَعرَكِ في رئتيه
أنا رجُلٌ يَفتحُ نوافِذَ رائحتِكِ بالشّيشة ودموعٍ مكبوتة
ثمّ يرشُّ عليها الشّايَ لتكتملي أنتِ في السّراب
وأنتهي عند لمسِه.
اللّيلة أيضا سأُغمض عينيّ على حضورِكِ
وأغيبَ معه في غيرِكِ،
ثمّ أستديرُ نحو الجهة الأخرى لأمسحَ دموعَكِ
بالدّمِ الذي لا ترينَه
سأُقبِّلُ رأسَكِ في دُعاءِ النّوم
وأنا أتمنّى أن تفتحي لي الوِسادةَ لأدخُل
سأعِدُكِ أن أخلعَ العِتابَ وأجلسَ في غرفةِ الحكمةِ
ولا أتحرَّك
وسأعتذر إليكِ لأنّي لا يمكنني البقاءُ مهذّبا
وستبسمين لأنّكِ لن ترفضي دعوتي إلى الحياة..
اللّيلة كأمسٍ والبارحاتِ والبارحات
سأنامُ لأحياكِ
وغدا سأذهبُ إلى العمل كالذّاهبِ إلى القبر!
وأتسوّلُ من الله كلَّ الوقت، أن يمنحني
الذُّلَّ كي آتيَكِ حقّا
وأرتاح.