قراءة في لوحة ”خيال الروح” للفنانة التشكيلية اللبنانية رجاء نيقولاس
علال فري – الرباط في 16 يناير 2018
بين الحياة و الموت.. تسبح هذه الروح أو ظلها في فضاء الألوان.
”خيال الروح”، هو اسمها الذي اختارته لها مبدعتها الفنانة اللبنانية رجاء نيقولاس.. هو العنوان الذي اختارته لهذه اللوحة التي تتمدد و تتقلص بالأزرق و بالأحمر على البياض، و البياض أصل كل الألوان و أصل الحياة ووجهها، فأينما وليت لونا فيه أفعمك بالمعاني ما انشرح منها و ما انقرح.
فإن كانت أصواتنا و حركاتنا و كلماتنا تقارب الواقع من أجل الحوار كل الوقت، و لما يفرض الواقع على أحاسيسنا الصمت و إطباق الشفاه على الكلام و الجفون على الفرح، تتجه إلى الحلم إن في ظلام الليل أو في وضح النهار لتفجر ألمنا أو حبنا الفطري ذلك بشكل و بلون عفوي غير ما تعبر به النفوس البشرية العامة المارة و المتزحلقة و المتدحرجة الهائمة في مدارات الأرض و تداولاتها و المنغرسة في تراب لوحة الحياة. لما يختنق الصوت، يخرج حروفا و ألوانا و أنغاما. و ها هو على روح اللوحة الأبيض الأصيل في إنسانيتها يزرق اللون و أحمرا يتدفق و ما بينهما. هي المتنفس. و هي سرير الألوان الحية و عش الأمل.
و النظرات… تلك الحركات الأُخر الميتة الحية داخل حلبة اللوحة، تتجه إليك في عليائك من عيون مثقلة حزنا أزرقا تعاتبك بلغة الظل لتقول لك أن أنك آلمتها، أن أنك خنقتها، في حديث أزرق و باخضرار بارد ارتكن إلى أعلى يسار اللوحة. تلك العيون تحدثك من داخل الألم، ثم تخطو نحو اليمين نزولا لتذكرك بالجراح التي أدمعت العين إلى أن أطفأتها و تنزلق الأحاسيس على اللزوجة الحمراء مستسلمة غير راضية مغمضة العينين أو في شبه إغماضة إلى الأسفل ناظرة حزينة، منتظرة بلون الأمل الذي يغطي الوجه البرتقالي شكلا و لونا، الوجه الحي الوحيد في الصورة.
فهل تستمر الجراح بفرض الموت على الأحاسيس سبيلا، يضرب الجرحَ بالجرح و يسيجُ بالإحباط و بلون الموت الأحاسيس الجميلة التي تخبئها تلك الجفون عريضة الأمل برموشها الفياضة. و هل ينكمش الفم و ينغلق لينخرس اللسان في الصورة و ينسحب الأنف ليختنق الأمل و يرجع إلى الخلف ليغرق في زرقة اليأس أمام غطرسة ذكورية شبه سوداء يبدو أنها تريد للناس أجمعين ما لا يريده لهم الإحساس السليم.. ”أن اطمئن يا قلب، فالمرأة لن تستسلمَ و الأرضُ !”
”خيال الروح” لوحة مفتوحة على عدة تأويلات و احتمالات و قراءات، و لقد قرأت فيها من زاويتي بعدين لا يخلوان من حضور للرجل و للمرأة، و من غبن تتحمل ثقله الأرض تحت سيطرة ذكورية على السلطة يبدو أنها لا تريد أن تسلم.
”خيال الروح” لوحة كلها أمل في أن يرجع الإنسان إلى رشده و يفهم بأن الحياة في الأول و في الأخير، في البدء و في النهاية، تتلخص في المرأة و في الطفل، و دونهما حزن و دمار و انهيارات عاطفية فقط من كثرة التساقطات الدمعية.
فتحية للفنانة التي حملت بأصابعها الريشة و ارتحلت على القماش تسحب ألوان الألم حول أمل في وسط اللوحة بطريقتها الخاصة اللولبية، في حركة صلاة إنسانية. للفنانة رجاء نيقولاس على كل هذا الجمال الذي يتحدى الحزن و الألم معا تحية زكية إذن.. جد عالية.
لوحة ”خيال الروح”