عبد الرازق عكاشة : كليمت قائد لثورة الحكمة والعدل والنور
خطوات قدميك محسوبة على رصيف زمنك،النور ظل العاشقين،الظلام ستر اللصوص وضوء مزيف للفاسدين،الأرض جحيم الخائفين..كما قال المرحوم الشاعر حسن عقل،السماء فضاء المحبة،البحر حلم السباح،القبور مفتوحة للعابرين في طريق الزيف،صورة مريم (مريا)ووجها الصادق موشح بالأفق بالنور حالةإ بداع .
يا شباب المبدعين،النور قادم لا محالة والزيف غارب يستودعكم عما قريب،فاسألوا الرواد،اسألوا كليمت الزعيم،راجعوا مقالاتي عن كوكوشكا ثمانية مقالات في موقع عرب 22 على جوجل تختصر عمر فنان،مائة عام من الحروب من أجل فنه ونجح .
وقريبًا كتابي عن جوجان في الهيئة العامة للكتاب يحكي عمرًا من الظلم للفنان حتي في الكتابات العربية التي ينقل فيها النقاد المعلومات خطأ؛لكن أخيرًا جوجان انتصر بقى جوجان وكليمت وكوكوشكا وشيلي وسيزان وكوربيه و رودان أحياء . فى حين أن الموتى بجوار المرتزقة أصحاب المصالح يأخذون من عمر بعضهم البعض لحظات ماهي إلا في حجم تبغ سجائر الموت،القبور مفتوحة تلتهم المزيفين ولا اسماء لهم يذكرها الناس بعد انتهاء لحظات الوهم،راقصات السخف ستخجلون أمام الأولاد والأهل من اسماءعلى ورق؛ اسمها شهادة من مخبر أو صاحب ماخور،الجائع يمص دم الأغربة والتاريخ صامد مع الصادقين العاشقين. فبعد أن ينزل الشيطان ستائر النسيان على شخص مزيف ظن أنه فنان أو مبدع من ورق ولم يصدقه الناس طوال مدة التدريب وهو ينتظرالتاريخ أن يتجمد أو ربما يقف لحظة على باب عدسة نظارته المقعرة يظن أن التاريخ سوف يقف أمام أنفه المدجج بالمرض،نسي أن التاريخ انتقاء وليس سلة مهملات . يتخيل أنه سوف يخضع الناس وسوف يصفقون له طويلاً ليلة العرض فلم يحدث،الناس هربت من أول جملة في نص رقيق،هربوا من باب بعيد خلف أنف غروره،فصفق لنفسه حتى شلت يداه وانتظر الرحيل دون أن يقدم له أحد وردة .
الحلقة السادسة كل الشكر لمن علمني حرفًا،هنا وهناك أقف احترامًا لهم،الناقدة الصادقة الأستاذة فاطمة على،شكرا، تعلمت منك سيدتي الفنانة فاطمة الكثير،شكري لأول سيدة آمنت بطريقي من بعد أمي شجعتني أنا والآخرين الرائعة الحساسة الكاتبة، ثريا درويش،شكري أيضًا لأستاذي المرحوم محمد بية سليمة كان وقورًا ورمزًا، محمد بيه سليمة مؤسس مجلة الشباب،مجلة نقابة التشكيليين وأحد مؤسسي صفحات الفن في الأهرام .شكري الكبير الفنان د/ محمد الناصر الذي كتب عن رحلتي الكثير،شكري للفنان ا. د حسن عبد الفتاح مازالت أتذكر عام 1988،في قسم التصوير الحر كليه فنون جميلة القاهرة فتح أمامنا د. حسن كتاب على لوحة كوكوشكا ظل يتغزل فيها ومن يومها جن جنوني بكوكوشكا وأصدقائه ولم يتوقف الجنون لليوم،شكرا لكم جميعًا وكل القبلات من كليمت ومحبة شيلي وجنون كوكوشكا ترافق أيديكم الصادقة الطاهرة في دعمي .
شجع الأستاذ “لومبرجه” كليمت مرة أخرى بالتقدم للحصول على عمل لأنه كان يمر بضائقة مالية لكن هذه المرة كان في مناسبة كبرى،هي عيد امبراطورية النمسا الفضي،هذه الأشياء هي مجموعة الإمبراطور الخاصة ؛التي تعود إلى القرن السادس عشر،أجاد الثلاثي، كما كان منتظرًا منهم، فإذا كان أرنست الأخ يجيد فن الجرافيك والأخ الثاني يجيد فن الموازييك، فكليمت يجيد الابتكار وفن التقنيات وكل شئ يحفظ عمله عن ظهر قلب،قام الفريق بترميم مسرح النمسا الوطني وأشياء أخرى في أماكن مهمه بالعاصمة التي كانت تشهد كل حالات التناقض الاجتماعي،السياسي،الإبداعي،وحرائق هنا وهناك كانت تلك مرحلة انتقالية جديدة ، فبرغم الشهرة والمال لم يرغب جوستاف كليمت في المضي في هذا الطريق ،انفصل عن إخوته،ذهب للجنون،عشق الفن،الصدق في الإبداع أهم من المال؛كان يشعر ويعرف أن التاريخ يحجز العشر صفحات الأولى للشهداء الأبرارومن ثم المبدعين الصادقين والباقي بجوار الفهرس لرجال السياسية الحكام اجباريًا أما المزيفين عشاق المال لامكان لهم حتى في الهوامش،كليمت يريد البحث والتنقيب في عالم الفن التشكيلي .وبعيدًاعن الترميم والنقش، بدأ مرحلة جديدة دمج الزخرفة وفن المنمنمات مع العمل الزيتي نموذجًا يرسم وجها بشريًا كأنه مصور مثل صورة فوتوغرافية،إجادة أكاديمية بارعة ثم يعمل على إضافة العناصر الديكورية من التاريخ أو خياله .
عملية الدمج هذه نالت إعجاب الناس محبي الفنون فالمتلقي الواعي الذي يرى بنور قلبه الصدق؛ لكن وطبعا، صدمت هذه النقله الأكاديميين فلم يهتم كليمت برأيهم على كل حال. لأن أصبح الطلب عليه من العامة كبير،بعض النقاد مبهورون في صمت،الآخرين محاربين بشراسة وهنا شعر الفنان بحاجة المجتمع و تعطشه إلى فن جاد حقيقي به مشاعر.وإحساس فأسس جمعية كبرى ووضع لها شروطًا وأهدافًاهي جمعية أوجماعة(المنسحبون) بفيينا .
كليمت الرئيس ومن أهم أهداف الجمعية،محاربة فنون الذوق الضعيف،إعلان الحرب على الفن الجامد الكلاسيكي الصعب، محاربة التمييز .بين أن يكون هناك فن للنخبة و آخر للعامة،نعم إنها كاريزما الزعيم دور المبدع مع شيلي،كوكوشكا .
يا شباب أرجوكم اقرؤوا التاريخ لا خلود لفنان يرقص باللون من أجل كرسي،لا خلود لمن يسير في كوكب العبيد،لا خلود لرسامين المناسبات و الوزراء. التصفيق أفضل لهم من التلوين؛ كليمت يقول”من اليوم الارتقاء بكل الأذواق لا فرق بين سكان القصور وبين أهل الشارع البسطاء”.ويكمل “يجب ان تكون للجمعية جريدة، مقر، قصر لتنمية الوعي،مكان كبير للمعارض، المحاضرات، يتم من خلاله فتح باب الفنون في الامبراطورية النمساوية المغلقة، للتعامل مع فنون أوروبا وآسيا ..الحضارات ومنها الفرعونية” . جوستاف كليمت يحلم بأوروبا تبادل فنانين شعراء فلاسفة كتاب من فرنسا، إيطاليا،الدول المتقدمة،نجحت الجماعة بسرعة،صدقه الناس فآمن به النبلاء وكذبه الحاقدون والمزيفون .
استقبل أول معرض لهم مجموعة “المنسحبون” هو كوكوشكا شيلي بنجاح كبير سنة 1888،صمم كليمت الدعاية للمعرض على شكل أسطورة يونانية، كذلك صمم هندسة قصر المعارض الجديد بشكل فرعوني مصري ( آه يا مصر) الكل يعرف حجمك إلا بعض أولادك المرضى. والعاقين،صمم جزء آخر على شكل يوناني قديم كانت أهم شروط الجمعية التجديد في الإبداع والبحث عن تمويل للابتكارات إذ كان كليمت يؤكد :”أن لا فن دون راع خلف الفنان” .(سبحان الله )وكأنه معنا الآن . المهم نجح كليمت بالفعل في جذب الأموال من العائلات الغنية في النمسا،وهي عائلات من أصل يهودي تتميز برقة الذوق، وقد انسجمت هذه العائلات بسرعة مع أعمال كليمت ورفاقه، ومن ضمن أفراد هذه العائلات صاحب مصنع جلود،وآخر صاحب مصنع ملابس تقدما بطلب لشراء معظم لوحات أفراد جمعية” المنسحبون ” ثورة على ثورة يامبدع .
طلبت إدارة الجامعة في فيينا من كليمت رسم لوحة كبرى لمدخل الجامعة،اللوحة تحمل اسم الفلسفة مقسمة إلى ثلاثة أقسام: العدل ـ النور ـ الحكمة، قبل أن يقدم كليمت اللوحة إلى الجامعة أحضرهامعه إلى صالون باريس (الخريف الأول) إنه الحلم 1903،ليحصل على الجائزة الكبرى للصالون والميدالية الذهبية، ويلتقى الفنان الكبير رودان كما ذكرت من قبل دار بينهما حديث طويل عن الفن والحرية في عهد الامبراطورية، لتطوير المجتمع .انفتاحه بما أن فيينا في هذا التوقيت كانت تعاني من أزمات اجتماعية دينية كبرى . وكان حديث الصالونات في النمسا كله يدور حول انتصار جنس الرجل على جنس الأنثى،ومن يقود الثورة والمنزل،أحاديث كانت ضيقة مغلقه،أما المجتمع الديني فكان أكثر انغلاقًا. حدثه رودان عن فرنسا وعن إعجابه بعمله كفنان مهم .عاد كليمت بميدالية صالون خريف باريس الذهبية فيكرمه الإمبراطور بميدالية أخرى ذهبية، شعار مدينة فيينا،ويتقدم إلى الجامعة حاملا اللوحة، لكن الحقد والترصد،نعم إنه فيروس كل عصر ومكان؛فلاش باك قبل مائة عام من الظلم. يجمع 87 أستاذًا توقيعات على رفض تعليق عمل كليمت في الجامعة والتقليل من شأن اللوحة، لأن بها جزءًا عاريًا،إنها تحارب العادات والتقاليد داخل مجتمع عائلات فيينا، وقف كليمت قائلا. مدافعًا عن اللوحة وقلبه يمطر حزنًا” كيف هذا الظلم،اللوحة النور فيها ينتصر على الظلم،النور ينتصر دائما للحكمة والإبداع )هذا ما قلته لكم الحلقة الماضية ظل كليمت نور .
أما87 مدرسًا اللذين لا يذكر التاريخ أسماؤهم قالوا: (لا يمكن للنور أن ينتصر على شيء،فهو مجرد نور فقط ..) فرفضت اللوحة،حزن كليمت لكنه لم ينكسر،هذا ما يوضحه في حديثه مع إحدي الجرائد حيث يقول”أنا حزين لأن جو النمسا العام هو جو منافقين؛لكن هذا الظلم الذي وقع لعملي لم يؤثر في شخصي على الإطلاق، فأنا أعلم أن النمسا بحاجة الى انتفاضة ثقافية كبرى،ليس من الضروري أن تترك أعمالك لناس لايعرفون القيمة الحقيقية لها “.
هنا طلبت الجامعة من كليمت رد المبلغ الذي حصل عليه كي يرسم لهم اللوحة، فكان كليمت في حرج شديد لأنه أنفق الأموال، بعد فترة من الحزن والتخفي في جلباب الخجل، وجد رجل ثري اشترى اللوحات وسدد للجامعة المبلغ، وسافرت اللوحة إلى أمريكا فيما بعد والآن تلهث حكومات النمسا إلى ردها ثم يأتي القدر فلم يكن أقل رحمة على اللوحات من مدرسي الجامعة حيث أخذ هذا الثري لوحات أخرى من كليمت وشيلي وكوكوشكا إلى جنوب النمسا في قصره الكبير، أثناء عودة المعسكر النازي في الحرب العالمية الثانية احرقوا القرية كلها بما فيها القصرالذي يضم لوحات كليمت ولم يبق من اللوحات غير مجموعة صور أبيض وأسود .
باريس فيينا بلجيكا من عبد الرازق عكاشة