الفنانة المبدعة (حدة زغبي) هى فنانة الضوء، فنانة النور، نلمح في لوحاتها ذلك الضوء الذي ينطلق من مكان ما في اللوحة، نتأمل اللوحات ونقف أمام ضياء حلو جميل كأننا نعايش حلمًا يتجسد في لوحات . إن الرائي لأعمال هذه الفنانة لن ينسى ما يراه فيها، إنها مثل مشاهد الطفولة تنطبع فى أعماق الوعى ولا تتركه بل تشكل الحس الجمالي والفني للشخص على مدار السنوات.
بداية من هي الفنانة التشكيلية الجزائرية حدة الزغبي؟
إنسانة من عامة الناس، من مواليد الجزائر، مولعة بخدمة الإنسانية والمجتمع، أحب الرسم منذ الصغر؛ لكن فهمت ذلك عندما درست الرسم في الطور المتوسط (بعد الإبتدائي) تعلقت وقتها بحصة الرسم وكنت أحصل على أعلى النقاط بين زملائي في المادة، ومن وقتها لم أتوقف عن الرسم
كيف بدأت رحلة الرسم؟ ومن ساعدك في ذلك ؟
في بداياتي كنت أجاهد بمفردى في وسط عائلتى ومجتمعي، لم يساندني أحد ولم يقف معي أحد، حبي الكبير للرسم جعل منى كتلة من العناد والإصرار كي أتمسك وأبدع في الرسم؛ وهذا ما جعلنى أطالع كثيرا وأقرأ سيرة كبار الفنانين ورواد الفن والمدارس الفنية؛ مما أعطاني حافزًا في أن أصبح مثلهم وأحدث جديدًا في الفن كما فعلوا، كما أني كنت كثيرة التأمل؛ التأمل في إبداع الخالق وتناسق الألوان في الطبيعة؛غذى الوعي الفكري والفلسفي والفني في داخلى، وعندما كبرت أصبح زوجي السند والقوة الحقيقية في إبداعي وهو من يساندني في مشواري الفني ربي يحفظه لى إن شاء الله .
متى ترسمين ولمن تبدعين؟
أرسم في جميع حالاتي أرسم وأنا سعيدة وأنا حزينة، أرسم في آخر الليل؛ أكثر شيء يستهويني هدوء وسكون الليل فأبدع فيه وعادة أرسم كي أرتاح فالرسم بالنسبة لي راحة نفسية فهو مصدر سعادتي .
من هو الرسام العربي أو العالمي الذي أثّر بكِ كثيرًا على المستويين الشخصي والفني؟
في صغري كنت أتمنى أتمنى أن أصبح مثل الفنان والروائي (جبران خليل جبران)، من شدة إعجابي لرواياته وفنه، و بيكاسو أيضًا كنت معجبة بشخصيته وتلقائيته، وكنت أركز على مؤسسي المدارس الفنية في الفن التشكيلي؛ مهتمة بقراءة سيرهم الشخصية وكيف عاشوا وكيف استطاعوا ترك بصمتهم في الفن وخلق فكرة جديدة وأسلوب جديد أصبح مدرسة من مدارس الفن التشكيلي مثل (بيكاسو) مع المدرسة التكعيبية والفنان الروسي (كاندينسكي) مع المدرسة التجريدية والفنان الفرنسي (كلود مونيه) في الإنطباعية وغيرهم من المدارس.
وكان هدفي في دراسة حياتهم وفنهم هو أن أكون مثلهم في يوم من الأيام، وأحدث جديدًا في الفن وهذا طموحي وكان السؤال الذي لايغيب عن خيالي وأطرحه دائما على نفسي هو : لما لا أكون مثلهم يوما ما وما الفرق بينى وبينهم كي لا أكون كذلك ؟؟ ،كنت ولا أزال أكره التقليد في الرسم لدرجة الملل وأفضل التجديد والمغامرة والإبداع وصار يستهوينى فلسفة (كاندينسكي) وغموضه في الفن بعد ما اكتشفت وفهمت سره المبهم للكثيرين من علماء الفن والنقاد .
هل وصلت الفنانة التشكيلية الجزائرية إلى المكانة التي تليق بها؟
الحمد لله، بدأت في الوصول؛ لكن نسبة الوصول لهذه المكانة مرتبطة بنسبة عطاء الفنان وإبداعه وما يستطيع تقديمه للمجتمع والإنسانية والعالم طالما ما يزال فيه نفس، وسأبقى أخدم في الفن طالما ما زلت على قيد الحياة .
بما أنك تقيمين في البحرين، كيف تقيّمى الحركة الفنية التشكيلية في البحرين ؟
لم أحضر معارض واقعية هنا في البحرين منذ أتيت بسبب وباء (كورونا) عافانا الله وإياكم، لكنى أتابع الفنانين البحرينيين في مواقع التواصل الاجتماعي وأعرف القليل منهم، وما شاء الله، ما لاحظته في الفن هنا هو أنهم يركزون على التراث وفنهم كله فيه لمسة تراثية حتى في الفن الحديث والمعاصر وحتى الخط والنحت تجده مقيدًا بتراث وطنهم وعاداتهم وتقاليدهم – ماشاء الله – أو ربما كمية الوطنية الهائلة الموجودة في داخل كل فنان هى ما تجعل نتاجه كذلك.
لهذا لاحظت أن أي فنان من خارج البحرين ليس سهلا عليهم تقبله بينهم لأنه سيكون مختلفًا عنهم وغريب في وسطهم بفنه وإبداعه، أحترم هذه القدسية فيهم لعاداتهم وتقاليدهم وتراثهم وإن شاء الله يزول هذا الوباء وأشارك معهم في معارض واقعية وأتقرب أكثر من فنانين كبار مثل الفنان الطيب والمبدع (محسن غريب) والفنان الكبير (توفيق البناء) والفنانة الشابة الرائعة (لينا الأيوبي) هؤلاء تقريبًا الذين تواصلت معهم شخصيًا والفنان الكبير (عباس الموسوي) الذي أتمنى لقائه – الله يطول بعمره ويديم عليه الصحة والعافية .
هل يحتاج الفنان الموهوب إلى الدراسة الأكاديمية ؟
عليه أن يكون مطلع على كل المدارس الأكاديمية وله دراية بكل ما يتعلق بالتشكيل ويجرب يرسم في كل المدارس وحتى الخط والفسيفساء والنحت وكل فنون الثقافة الفنية أهم ركيزة لدى الفنان حتى يكتمل عنده النظوج الفني، ويجد نفسه في المدرسة المناسبة له أو يخلق لنفسه مدرسة خاصة يبدع فيها يعنى الثقافة الفنية وكثرة الرسم حتى يطور من نفسه ويصل لمستوى الاحترافية، أما الدراسة الأكاديمية لأجل شهادة تعلق على حوائط الجدران كما يحدث في كلياتنا وجامعاتنا في الوطن العربي فأنا لست مع ذلك، وهذا ما أوصلنا لهذا الركود الفني الرهيب في الوطن العربي ولا نجد غير التقليد الأعمى للمدارس الأخرى الغربية بسبب تعظيم رواد الفن الغربي ولايعطون فرصة للشاب المبدع في وطننا لهذا لم نعد نرى جديدًا في الفن إلا نادرًا للأسف .
حدثينا عن ابتكارك لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم.
فكرتي الجديدة هي تحويل النوتات الموسيقية إلى ألوان بطريقة علمية للسامع والأصم وخصصتها أكثر شيء لخدمة فئة الصم أو فئة الإعاقة المظلومة كما نسميها، هدفي فيها مساعدتهم على كسر حاجز العزلة والتواصل بها مع العالم الخارجي والإبداع من خلال تعلم سلمي اللوني يمكن بعدها للأصم ان يفهم الموسيقى لونيا ويصبح بإمكانه تأليف مقاطع موسيقية من وحي خياله وإمتاع الناس بها ويبدع في ذلك وتتحس حالتهم النفسية ويتواصلوان أكثر مع العالم الخارجي.
وتحويل النوتات الموسيقية إلى لون في عملى يمر بمرحلتين: المرحلة الأولى هي علمية تبنى على أسس حسابية مرتبطة بترددات الموجات لتأتي بعدها مرحلة إدخال أسلوبي الفني المرتبط بإحساسي وروحانيتي الفنية في نشر وترتيب نوتات المقطوعة الموسيقية المحولة إلى لوحة إلى لون على اللوحة بطريقة مبسطة للموسيقار ليسهل عليه عزفها من خلال النظر للوحة، ومزجي للألوان ليس مزجًا بسيطًا وإنما مزجًا دقيقًا كي يتناسق مع نوتته الموسيقية بدقة على الطريقة الحسابية، كما أنه من المعروف أن الترددات الموسيقية يمكن حسابها بمقياس أو سلم كسلم فيثاغورس أو السلم الخماسي أو السداسي وعملى يرتكز على سلم جديد صنعته يربط النوتات الموسيقية باللون (HK)السلم الموسيقي اللوني )، ومن هذا المنطلق نصل إلى أن العامل المشترك بين اللون والنغم أو النوتات هي الدائرة اللونية والدائرة الموسيقية التى يمتزجان ويتوحدان في سلمي فيعطينا تناسق لوني موسيقي ينتج لنا لوحة مرئية للسامع والأصم بمعايير ومقاييس يختلف الواحد منها عن الآخر، وأكون بذلك قد مزجت وأدخلت الفيزياء والحساب على الفن التشكيلي لمزجه وربطه بالموسيقى، ولي مقال في هذا الموضوع .
وكانت أول لوحة لى في هذا مقطع من سيمفونية بيتهوفن لتأثري بقصة حياته لأنه فقد حاسة السمع في أواخر حياته لكنه أكمل إبداعه في العزف في تلك المرحلة وأنتج أشهر سيمفونياته رغم أنه لم يسمعها، فكيف لشخص لايسمع أو ناقص السمع أن يبدع في عزف أشهر سيمفونياته وهو لم يسمعها ؟!وكم مؤلم أن تضع نفسك مكان شخص يفتقد شيء ما، خصوصا إن كان من ذوي الإعاقة المظلومة أو فئة الصمو هذه أبسط هدية أقدمها لهم علها تساعدهم في الخروج من قوقعتهم والتواصل مع العالم الخارجي وكسر جدار العزلة عنهم بإذن الله ،كما أني رسمت هذه اللوحات بطريقة تسهل على الموسيقار عزف المقطوعة من خلال النظر للوحة مباشرة لكن عليه أن يكون على دراية ودراسة بسلمي الموسيقي اللوني (HK )وبهذا نستطيع تحويل مقطوعة موسيقة إلى لوحة والعكس ،بإمكاننا أيضًا تحويل لوحة مرسومة معينة إلى مقطوعة موسيقية وهذا لمساعدة المكفوفين على سماع مقطوعة موسيقية للوحة مرسومة لم يروها .رسمت أيضًا موسيقى النشيد الوطني الجزائري وأيضا نشيد مملكة البحرين للسامع والأصم طبعا، وأيضًا مقطع الجزء الأول من موسيقى أغنية وردة الجزائرية ” بتونس بيك ” .
ماهي أهم المعارض المحلية و الدولية الي شاركت فيها ؟
أخر معرض واقعي لي كانت مشاركتي بمعرض الفن المعاصر “طاقة الإبداع ” موسكو في روسيا، ١مايو ٢٠٢١، كما شاركت في معرض واقعي في تركيا شهر سبتمبر ٢٠٢٠، في بورصة التركية، كما شاركت في العديد من المعارض الافترا ضية وطنيًا وعالميًا : مصر، تونس، ، المغرب، الجزائر، العراق، فلسطين، سوريا، نيجريا، وأمريكا، ومسابقات عالمية مثل مسابقة كأس العالم للمبدعين العرب للفن التشكيلي بلندن العاصمة البريطانية وفزت فيها بالجائزة الأولى بكأس العالم والميدالية الذهبية عن فئة الطبيعة الصامتة ٢٠٢٠، فائزة بمسابقة فنان العرب في رابطة إبداع الدولية للفنون بمصر سنة ٢٠٢٠.حصلت على جائزة الأوسكار في مسابقة المعرض الدولى لرؤى عربية بمصر سنة ٢٠٢٠، كما أني عضو في عدة جمعيات ومنظمات فنية دولية عربية منها وعالمية. ابتكرت فكرة جديدة في تحويل النوتات الموسيقية الى ألوان بطريقة علمية للسامع والأصم عندي مقال علمي فني بعنوان : “The Oppressed Disability Sees The Music” مجلة الفنون و الأدب و علوم الإنسانيات (الإمارات)، مجلد 66-أفريل 2021. شاركت في الكتاب الإلكتروني ميدان، وموسوعة عرب ٢٢ بمصر ٢٠٢١، ولدى معرض واقعي قادم بإذن الله في فرنسا ومعرضين بمصر مقرر مع ملتقى رؤى عربية وأحضر لتجهيز كتابي الأول الذي أجمع فيه أعمالى الفنية مع مقالاتى لفكرتي الجديدة في الفن الحديث وتحدثت فيه عن سلمي الجديد الذي ربطت فيه بين الموسيقى والتشكيل سيكون جاهز بعد العيد .
ما هي مشاريعك القادمة في عالم الفن التشكيلي ؟
إن شاء الله أخدم فكرتي وأوسعها لفئة الصم وأقدم لكل دولة موسيقى نشيدها الوطني في لوحة مرئية للسامع والأصم، وأحول أغاني التراث العربي إلى لوحات لتخليدها، وأنشر الوعي الفني في مجتمعنا العربي والدفاع عن القضايا الإنسانية التى ترتقي بمجتمعنا، كما أني أجهز حاليًا لطباعة كتاب عن فكرتي الجديدة هذه وجمعت فيه أعمالى الفنية وبعض مقالاتى وبعض مقالات النقاد عن أعمالى وعن فكرتي الجديدة بالتحديد ،وأجهز لعمل معرض واقعي لفئة الصم إن شاء الله .
ماذا عن هواياتك الأخرى غير الرسم؟
تصميم الأزياء أحيانا، هو اختصاصي أيضًا لكنى تخليت عنه منذ مدة بسبب انشغالى بالرسم، أعشق الأطفال وأتفنن في تصميم ملابسهم وعملت في هذا المجال من قبل لكن حاليًا وقتي كله في الرسم .
أخيرا كلمة لمحبي الفن التشكيلي في الوطن العربى
أنصح كل مبتدئ في الفن بأن يجعل هدفه في الفن خدمة الإنسانية والمجتمع وليس فقط لتقديم لوحة تسر الناظرين، وأن يكون عاشقًا للرسم كي يبدع فيه، أن يرسم كثيرًا كي يصل إلى مستويات أعلى في الإتقان، وأهم شيء التأمل والمطالعة وشكرًا لكل القراء في الوطن العربي وتحياتى لكل من يقدر الفن ويحترم الإبداع .