حلا العابد: الرسم كأثر حيّ لذاكرة لا تنام

0

حلا العابد، فنانة تشكيلية سورية مقيمة في إسطنبول، تنتمي إلى تلك الفئة النادرة من الفنانين الذين لا يرسمون لوحات بقدر ما يستحضرون الذاكرة، ويخلطونها بالرماد، ليتركوها تجفّ فوق القماش كندبة خفيفة لا تزول. لم تأتِ تجربتها من مقاعد الدراسة الأكاديمية، بل من الصدفة، من ملامح النساء العابرات، ومن التشققات التي تسكن الجدران وتنكسر في الداخل.

البدايات والتطور

تقول حلا: “رسمتُ لأتذكّر، أو ربما لأنسى”. لم تكن الريشة في يدها أداة للزينة، بل وسيلة للحفر في العمق. واللون لم يكن اختيارًا جمالياً، بل بقايا شعور لم يندمل. ومع مرور الوقت، تحوّلت اللوحة عندها إلى مساحة تعبير عن الذات، عن الهوية، عن الغربة والمنفى. لكن التعبير لا يأتي بصيغة مباشرة، بل عبر الإيماء، والانحراف، والتكوينات المفتوحة على احتمالات متعددة.

ملامح الفن

ينتمي فن حلا العابد إلى التعبيرية والسريالية، ويتقاطع أحيانًا مع الرمزية. لا تظهر الأجساد في أعمالها كصور متكاملة، بل كبقايا تجربة، أثر لذكرى، كصدى لانفعال. أما الوجوه، فهي لا تُرسم لتُفهم، بل لتُحس. لتوقظ في المتلقي شيئًا لا اسم له.

الأسلوب الفني

الواقعية لا تعني حلا بقدر ما يعنيها “الأثر” — ما تتركه الصورة بعد أن تُغلق العين. تبحث في الخطوط عن صوت، عن رعشة، عن شق في السكون. تحاول أن ترسم في الخلفيات خريطة لداخلٍ يتغيّر في كل مرة، كأنه لا يريد أن يُعرَّف بل أن يُلمَح فقط.

صلاة غير مكتملة – حلا العابد

امرأة بشعرٍ من ذهبٍ لا يلمع، بل يثقل؛ تنحني لا خجلًا، بل لأنها حملت أكثر مما تستطيع الجبال. فستانها الأبيض ليس فستانًا، بل ثلجٌ أو رغبة في الذوبان، شبحٌ ناعم يتمدد ليبتلع الذاكرة. وفي يدها زهرةٌ تلوّح بصمت؛ قد تكون قُربانًا، أو وعدًا لم يُكتب له أن يُقال. الخلفية طبقات من الداخل، لا من الأرض: موجٌ ثقيل، وحدود مشروخة، وأرض لا اسم لها. هي ليست فقط شخصية، بل أيقونة للأنثى حين تصلّي… دون أن تُنهي صلاتها.

صلاة غير مكتملة – حلا العابد

الرسالة الفنية

أعمال حلا العابد تحمل في طيّاتها غموضًا عاطفيًا عميقًا، وشخصيات لا تنتمي لزمن، ولا لمكان محدد. تحضر كأنها خارجة من حلم ثقيل، أو ذاهبة نحو منفى داخلي بعيد. لا تبحث لوحاتها عن الجمال، لكنه يظهر رغمًا عنها، كنتيجة جانبية للانكسار. وتؤمن حلا أن الشكل ليس إلا قشرة، بينما الحقيقة تكمن في الحروق الخفية، في ما تخفيه اللوحة لا ما تُظهره.

في الختام

حلا العابد لا تُقدّم فنًا صاخبًا، بل حالة شعورية بصريّة، تمشي فيها الذاكرة جنبًا إلى جنب مع الغموض، والصدق جنبًا إلى جنب مع الصمت. لوحاتها ليست للإعجاب، بل للغوص، ولإعادة الاكتشاف. وكل لوحة هي أثر— أثر لجُرح، لذاكرة، أو لحلمٍ لم يكتمل بعد.

للتواصل مع حلا العابد:

إنستغرام: hala.al.abed
تابعوا حلا لاكتشاف المزيد من أعمالها الفنية وإبداعاتها المميزة!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*