الحنين لكل مايدور حوالينا وتسجيله سمة فنان العصر الحالي والعصور السابقة وتتنوع وسائل التسجيل لكل مناحي الحياة المختلفة وتتلاقي و تتفترق ولكنها تجتمع علي معني واحد فقط ألا وهو التعبير الفني الممزوج بعاطفة الفنان ورؤيته وتصوراته ونظرته للحياة من حوله من إنسان و حيوان وجماد ونبات ، تحس بالروعة في التعبير الفني وجماله ودقته ورقته وقدرته علي التغلغل في الأعماق حينما ترتاد المعرض المشترك ” حلوة يابلدي” لكل من الفنانة “حنان يوسف” والفنانة “جيهان ماهر” والمقام حاليا بقاعة “جاليري جرانت” بوسط البلد ، تجد مصر الحارة ،ومصر الشارع ،ومصر الأم وربة المنزل ،ومصر الصبية البريئة ،ومصر الناضرة في ورودها ،ومصر الجميلة بنباتاتها وخضرتها وناسها وفنها ، تحس بالنبض الحقيقي لمصر وشعبها و طبيعتها ، فتظل تعيد النظر إلي اللوحات في القاعتين تلف هنا وهناك ولاتشبع من هذا المنهل الفني الصافي و العذب.
في القاعة الأولي نلتقي مع الفنانة المبدعة “حنان يوسف” حيث نجد في لوحاتها كنزا من اللقطات عن المجتمع المصري ، لقطات نابضة بالحياة حيث نجد المرأة المصرية ربة المنزل في ساعات العصاري ونراها وهي تهرول حاملة أنبوبة البوتاجاز في كد وتعب يوازي تعب الرجال إن لم يكن يزيد و نراها في معاناتها اليومية في شراء أرغفة الخبز القوت اليومي للعائلة المصرية . لقطات نقف أمامها مندهشين من جمال وعبقرية الفنانة التي تغمس ريشتها في صميم الحياة الاجتماعية وكأن لسان حالها يقول هذه هي مصر البساطة والتلقائية والجمال والتعاون والكد والبراءة ولاتنسي الفنانة أن تهدي لنا و لكل زوار المعرض باقات من الورود الحلوة في لوحات تبهج النفس والروح معا. إننا أمام سيمفونية من اللوحات التي تتفاعل مع بعضها البعض لتجعلنا نعيش في عالم ذي خصوصية تؤثرنا به الفنانة “حنان يوسف” بلوحات ذات دقة عالية ولاتنسي أن تجعلنا نعيش جو البحر بلطف مناخه وعزف أمواجه ومراكبه فننصت إليه و نحن نري الصبية الصغيرة علي عتبة الباب نري فيها أنفسنا و نحلم بأحلامها ونعيش معها صبانا الذي كان . ونلمح في باليتة الفنانة الألوان الهادئة التي تجعلنا نعيش لحظات التوحد مع اللوحات وكأننا نتذكر الأيام الخوالي ، لقد جاءت الألوان متسقة مع موضوع اللوحات ، بل تجعلنا نتعمق المعاني فيها و نعايشها.
في القاعة الثانية والداخلية من معرض جاليري جرانت ، ذلك المكان الذي يؤثرنا دائما بالجميل والرائع من الأعمال الفنية التي تبهج النفس والروح معا ، نقابل لوحات الفنانة المبدعة “جيهان ماهر” ، هنا نجد نفس المعزوفة من لقطات عن الحياة في المجتمع المصري ولكنها لها طعمها الأخر، تتسع مع لوحات الفنانة “جيهان ماهر” جوانب التغطية حيث نلمح الصحراء وجلسة المقهي مع الشيشة ونجد الحفل الموسيقي الصغير ونلمح الخيول والحنطور ونري الفوانيس ونري الزروع والخضرة ونجد السوق والشمسيات والشجر والنباتات ، تتسح موضوعات التغطية حيث نري بانوراما تأخذنا لعالم نعايشة ونحبه ، ونتوقف عند اللوحة التي تحتوي علي الحناطير الثلاثة حيث نري أن هناك لغة مابين الخيول وكأنها تتحدث في حركاتها وسكناتها ونري هناك سجالا بينها ونري الضوء والظل في اللوحة في قمة التناغم لدرجة أننا نري أنفسنا في هذا المكان داخل اللوحة. وأجدني أتحدث عن لوحة أخري نري فيها الشجر خال من الأوراق حيث نري فيه فصل الخريف ، نلمح في اللوحة لون الخريف و نشم فيها آثاره و نحس بدخول الشتاء عزز من جمال اللوحة اللون الذي يتناسب مع تقلبات الجو في هذا الموسم و نري في وقوف الأشجار ساكنة كأنها أفراد صابرة في مواجهة تبدل الطبيعة وكأني بالفنانة المبدعة ترمي إلي ضرورة التحمل في مواجهة الظروف التي نعايشها . و لن ينته الحديث عن جوانب الإبداع و الإجادة لدي فنانتنا المبدعة في لوحاتها والتي تؤثرنا ألوانها فنتوقف حت نستبين موضوعاتها فتدهشنا موضوعاتها أكثر فتقف لانريد أن نترك المكان برمته. إنه الفن الجميل و إبداع الفنانة الراقي.
تنتهي جولتي في معرض ” حلوة يابلدي” للفنانتين المبدعتين ” حنان يوسف” و “جيهان ماهر” حيث نري مصر الجميلة في ناسها ، في ورودها ،في نباتاتها ،في أشجارها ،في خيولها، في كل مناحي الحياة الإجتماعية فيها . إننا أمام سيمفونية رائعة أبدعتها يد فنانتين فجاءت كما أريد لها أن تكون جمالا و بهاء و رونقا . لقد صنع الفنانتان واحة خضراء في هجير حياتنا نركن إليها و لانريد أن نترك المكان من جماله و روعته . فألف تحية لهما علي هذا المعرض الضافي.