مدينة أم درمان أو عاصمة السودان الوطنية كما تسمى،هى أحد أضلاع أو زوايا ما كان يسمى بالعاصمة المثلثة (مدن: أمدرمان، الخرطوم و الخرطوم بحري) التي تكون العاصمة السودانية المعروفة بالخرطوم إلى الآن. ينسب اسم المدينة إلى سيدة كانت تسكن في المنطقة مع ولدها “درمان” قبل أن يتخذها ثوار المهدية معسكرًا لجنودهم (قبل تحريرهم مدينة الخرطوم الواقعة جنوب نهر النيل أو مقرن النيل الأبيض والنيل الأزرق من “الحكم الثنائي”) فعاصمة للدولة في الفترة من 1885-1898. بقيام الدولة المهدية أصبحت المدينة مركزًا جامعًا للسودانيين حيث التقت فيها و حولها عناصر الثقافات السودانية من الوسط و الأطراف لتفرز ما يعتبر مُعبرًا عن صوت وجه السودان بنبرات و درجات متفاوتة.
في أم درمان أو البقعة كما كان يحلو للكثيريين تسميتها تعظيمًا لها ولد الفنان بكري بلال وترعرع في وسط أسرة لها ارتباط بالفن والتعليم و الإعلام. لذا لم يك غريبًا أن يتشبع سمع و بصر بلال ب “أغاني حقيبة الفن” التي تبث من محطة إذاعة أم درمان القومية منذ فجر بثها مع رؤية ما تزخر به بلاده من تنوع متفردو جمال. جمال تحكيه لغات و لهجات من إثنيات متعددة السحنات في سوق المدينة حيث البضائع الوافدة و المصنوعات الشعبية بألوانها المختلفة بجانب لوحات لفنانين شعبيين أمثال جحا الذي صور جمال المرأة السودانية التقليدية عبر أغاني حقيبة الفن و صارت تصاويره في المقاهي و المطاعم كما في أغلفة علب الحلوى و قوارير العطور وغيرها.
كان بلال في ذروة شبابه عندما ذاع اسم السودان عربيًا ودوليًا بعد مؤتمر”قمة الخرطوم” الشهير الذي أعقب ما سمى بعام النكبة (1967) أى الحقبة التي تبلور فيها البحث عن الهوية السودانية بشكل عام. آنذاك كانت “ثورة أكتوبر” المنادية بالديمقراطية في السياسة و “مدرسة الغابة و الصحراء” الأدبية التي عبر عنها شعراء مثل محمد عبد الحي “ديوان: العودة إلى سنار” و محمد المكي إبراهيم “ديوان: أمتي” و “مدرسة الخرطوم” التشكيلية لأقطابها عثمان و قيع الله، ابراهيم الصلحي و أحمد شبرين. للمدرسة التشكيلية المذكورة أثر كبير على الفنان بكري بلال الذي تتلمذ مباشرة على يدى شبرين (مدينة الخرطوم) و الصلحي (مدينة أم درمان) حيث تبنى نهجها ردحًا من الزمن قبل أن يأتي بأسلوبه الذي تفرد به الآن ليغدو أيقونة سودانية يشار اليها.
تتميز أعمال بلال باستلهام التراث السوداني لاسيما القصص والأحاجي التي تزخر بحضور كبير للمرأة التي أبدع في تصوير جمالها وزوقه ونمنمة بتراكيب كثيرة تلعب الخطوط القوية والألوان الزاهية دورًا أساسيًا فيها، لوحته “رسالة من مغترب” المنفذة بألوان أكريليك في هذا العام مرآة صادقة لهذا. جدير بالذكر أن بلالاً الذي عمل في مجال التعليم قد أقام الكثيرمن المعارض الفردية بجانب الجماعية وورش العمل في داخل السودان و خارجه كما نال العديد من الشهادات التقديرية. حاليًا يقيم في مدينة أدرمان حيث يعج مرسمه بزيارة عشاق ومقتني فنه المنتشر عبر الأفراد و المؤسسات في أنحاء المعمورة.
لوحة “رسالة من مغترب”