غـازي انـعـيـم
يعد المبدع الراحل الفنان المصري (حسين بيكار) الذي عاش بين عامي (1913 ـ 2002)، من أبرز وجوه الجيل الثاني في الفنون التشكيلية المصرية لأكثر من سبعين عامًا بين الريشة والخط واللون والموسيقى والشعر والنقد ورسوم الأطفال، ويعد أيضًا فارسًا من أهم فرسان الألوان والظلال في الوطن العربي وركنًا من أقوى أركانه، حيث ترك بصماته الواضحة على الحركة التشكيلية، منهجًا وأسلوبًا وموضوعًا بل ورسالة أيضًا.
وعن سيرته الذاتية نقول، إن الفنان (حسين بيكار) من مواليد 2 / 1 / 1913، في قلب حي شعبي بسيط لأب تركي كان يعمل أمينًا لمخازن السلطان (عبد الحميد)، وبعد نجاح (أتاتورك) في إسقاط الخلافة والسلطنة قرر والده الهجرة إلى مصر واستقر بهم المطاف بالإسكندرية في حي ( الأنفوشي ).
بعد وفاة والده وحصوله على شهادة الابتدائية غادر مع والدته الإسكندرية ليلتحق بمدرسة الفنون الجميلة التي تعلم فيها أصول الرسم على يدي الأساتذة الجانب حتى عام 1930، وعندما عاد الرعيل الأول من الفنانين التشكيليين المصريين من بعثاتهم في أوروبا، أتيح له أن يتلقى تعليمه على يدي اثنين من أهم رواد الفن في مصر الذين تأثر بهم في شبابه الباكر وهما (يوسف كامل) و (أحمد صبري).
بعد تخرجه طُرح عليه بأن يعمل في مهنة التدريس، لكنه رفض ذلك وفضّل أن يكون فنانًا حرًا غير مرتبط بوظيفة تقيده وتبعده عن فنه، لذلك عمل عامًا كاملاً في إنجاز بعض الأعمال في ديكور المعرض الزراعي، لكن هذا العمل لم يؤمن له المردود المالي اللازم حيث وصل به الأمر من العوز والفاقة وضيق اليد ما جعل التراجع قدرًا وليس اختيارًا، حينئذ فقط قبل الدعوة الثانية للعمل في التدريس، وعين مدرسًا لمادة التربية الفنية في العام 1935.
في هذه الفترة انتسب بيكار لمعهد الموسيقى العربية، وقام بتأسيس فرقة شعبية مع بعض أصدقائه، فكان ( بيكار) مطربًا و (عبد الرحيم محمد) مشرفًا عليها، وبعد ترقيته من مدرس ابتدائي إلى مدرس ثانوي نقل إلى أقاصي الصعيد في (قنا)، فقضى فيها ثلاث سنوات زار خلالها معابد الأقصر وتعرف إلى فنون النحت والعمارة.. وشاهد كيف يتكون الجسم الإنساني من خطوط خارجية بسيطة، وكيف يتم تلخيص الواقع وليس تسجيله.
بعد ذلك ترشح للتدريس في المغرب، وقضى ثلاث سنوات مدرسًا لمادة الرسم في (تطوان)، وكانت هذه الرحلة هامة في تكوينه، لأنها ساهمت في إدخال البهجة إلى ألوانه وزيادة الحركة في أشكاله.
بعد هذه الرحلة عاد بيكار في العام 1942، إلى القاهرة، وأتيحت له الفرصة ليعمل مساعدًا للفنان أحمد صبري في قسم التصوير الحر، وبعد إحالة (صبري) للتقاعد تولى (بيكار) رئاسة القسم.
في العام 1944، رسم مجموعة أعمال توضيحية لكتاب (الأيام) لطه حسين، وعندما رأى (مصطفى أمين) الرسوم طلب منه أن يترك وظيفته لكي يتفرغ لجريدة أخبار اليوم كرسام وكاتب، وقد اتاحت له وظيفته الجديدة، أن يطوف بالعالم في رحلات قصيرة، فسافر إلى الحبشة وتونس والجزائر والمغرب ولبنان وإسبانيا واليابان، وعبرت رسومه الصحفية عن اتجاه جديد تمامًا وتيار مختلف للرسم الصحفي، وكتب مئات المقالات النقدية.
أما مجلة (سندباد) الشهيرة، فقد تولى إخراجها الفني ورسومها؛ إلى جانب هذا وضع الجزء الأول والثاني من كتاب (القراءة الجديدة) للمدارس الابتدائية والتي اشتهر بطريقة فلفل وشرشر، كما أصدر سبعة كتب للأطفال من تأليفه ورسمه.
بيكار الذي تجلت ريادته وخصوصيته فيما ذكرنا إضافة إلى تربعه على عرش البورتريه.. لم تستوعب كل هذه المجالات طاقاته وإمكانياته الفنية، فرسم مئات اللوحات عن الريف والنوبة والصعيد والفلاحات والأحداث الوطنية.. وقد تميزت ريشته بالحساسية الفائقة والتوزيع المتوازن للظلال والأشكال واختزال الخطوط والتعبير عن الموضوع بصورة مباشرة ونفاذة، كأن لوحة بيكار هي مزيج متألق بين عمق الفكرة ورقة الخطوط، بين وضوح التعبير وتعدد جوانبه وترديداته.
وقد غطت موهبة بيكار نطاقًا عريضًا من الموضوعات كان آخرها تنفيذه لوحات فيلم (العجينة الثامنة) للمخرج الكندي (جون فيني) الذي يحكي قصة معبد رمسيس الثاني في أبي سنبل وإنقاذه من الغرق بعد بناء السد العالي، ولتسجيل هذا العمل في فيلم سينمائي رسم (بيكار) 80 لوحة تحكي كيف أنجز فنانو مصر القديمة هذا الأثر الشامخ لحظة بلحظة، من تجهيز واجهة المعبد داخل الصخر وحتى الانتهاء من آخر تفاصيله.
أخيرًا، اختير ضمن أربعة فنانين من مصر حفرت رسوماتهم يدويًا على الكريستال بمصنع (ستين) بأمريكا، وهو حامل الوسام للعلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1967 وجائزة (جمال عبد الناصر) عام 1975، ونال الشهادة التقديرية في الفنون عام 1978، وحاصل على جائزة الدولة التقديرية مع وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 1980.