كتب/ علال فرى (المغرب)
(زنقة الإسبانيول) لوحة زيتية على قماش من إنجاز الفنان الليبي عبد الرزاق الرياني – طرابلس، وهي تمثل مشهدًا حيًا خلال يوم مشمس في زقاق بملامح هندسية عربية. وقد رسم فناننا الليبي هذه اللوحة وفق قياس 100 على 70 سنتيمترا في سنة 2009، ضمن سلسلة من لوحات صورت مشاهد من أزقة المدينة القديمة بطرابلس الليبية.
في أسفل اللوحة على اليمين نرى أربع فتيات، ترتدين ألبسة زاهية الألوان، تقبض كل واحدة منهن بيد الأخرى في شبه رقصة طفولية جماعية دائرية على أرضية من الأحجار المصفوفة داخل سكون عام في الحي الذي يملأ اللوحة حيث نرى كذلك طفلا صغيرًا يجلس على عتبة ما يبدو أنه بيت والديه الذي تطل امرأة من طابقه الأول من نافذة لها أربعة مصارع، اثنان علويان يفتحان من الوسط إلى الجوانب واثنان سفليان يفتحان من الأسفل إلى الأعلى. على يسار هذا المنزل باتجاه عمق اللوحة يوجد زقاق يتقاطع مع زقاقنا الرئيسي في الوسط يشير إلى مدخله القوس الذي على اليسار الذي يشبه القوس المقابل لنا الذي تتسلقه شجيرة لولبية والقوس الذي يليه في امتداد عمق اللوحة انتهاء إلى نافذة بهندسة مقوسة بمصرعين اثنين لمنزل يقع في مخرج الزقاق الرئيسي. وعلى امتداد اللوحة في عمقها بين حيطان المنازل المتراصة النقية اللامعة يمكن لنا مشاهدة ظلال متقطعة تتوزع على الحيطان اليسرى بينما توجد الحيطان اليمنى كلها في الظل مما يشي بأن الشمس تطل على حينا هذا من جهة اليمين وسط سماء زرقاء تظهر في أعلى اللوحة بين أسطح المنازل يشي البياض فيها المنسحب عليها من اليمين إلى اليسار بأنها سماء صافية ليوم مشمس جميل.
في مقدمة اللوحة تلعب فتياتنا الأربع بمرح وهن ترتدين ألبسة زاهية الألوان، بحيث يمكن لنا رؤية سترة صفراء وتنورة زرقاء ترتديهما فتاتنا التي تدير لنا ظهرها في وسط الحلقية التي يشكلنها والتي تتحرك دائريًا في شبه طواف باتجاه اليمين كما يتبين من حركة الملابس وظفائر الفتيات، فتاتنا صاحبة الوشاح الأبيض الذي تظهر عليه ما يشبه رسومات نباتية وإطارًا أسودًا تتدلى من تحته على ظهرها ظفيرة تميل إلى اليسار كما تنورتها في تناسق متوازن مع حركة الفتيات إلى اليمين، تليها على يسارها طفلة تبدو أصغر سنا ترتدي قميصًا أبيضًا كما يبدو من طوقه وسروالا أبيضًا كذلك لبست من فوقهما فستانًا بنيًا تراقصه الريح لينعطف ثوبه نحو اليسار في تنسيق دقيق لتقابل تحرك الأثواب مع حركة الفتيات دائما. وهو الشيء الذي يتأكد كذلك على الفستان الأخضر للفتاة الصغيرة ذات البشرة السوداء الموجودة في الجهة المقابلة من الدائرة التي تشكلنها، وكذلك الفتاة التي على اليمين والتي ترتدي فستانًا يجمع بين اللون الأرجواني الخفيف في أعلاه والأرجواني الداكن بالأكمام والأبيض في الأسفل في ما يشبه تنورة يتخللها شريط أرجواني داكنًا أكثر وسروالا برتقاليًا.
اللافت للنظر في هذه الرقصة الدائرية هو التناسق الدقيق الذي يمكن لنا من خلاله استشعار؛ بل رؤية التحرك الدائري لحركة الفتيات بوضوح في مقابل انسحاب أثوابهن إلى اليسار والذي يضفي على اللوحة حيوية تعكس فرحة ربما هي فرحة عيد ما تؤكدها أناقة وجمال اللباس التقليدي الليبي الذي يرتديه الطفل الذي يجلس على عتبة منزله ممسكًا بطربوشه الأحمر في جو جميل يبدو صباحيًا من خلال انسحاب الظلال على امتداد هذا الزقاق الذي يطبع أجواءه السكون والسلم وسعادة يوم لا يشبه سائر الأيام.
هذا المنظر يوحي اختيار الألوان فيه، ألوان الألبسة والحيطان ومصاريع النوافذ والشجيرة المتسلقة لأحد الأقواس الموجودة في حينا التقليدي الليبي القديم هذا، وكذلك توزيع الضوء على كل جوانبه الساكنة والمتحركة ونظافة الأرضية.. هذا المنظر كل شيء فيه يوحي باستلهام فناننا عبد الرزاق الرياني الطرابلسي للتقنيات التي تشتهر بها اللوحات التي تنتمي للمدرسة الانطباعية مع تمكن كبير في اختيار الألوان الفرحة وتوزيع صادق للظلال يخبرنا بالجو العام الذي يسود الحي موضوع اللوحة وضبط دقيق على الخصوص للحركة داخل اللوحة سواء أكانت حركة الفتيات السريعة أو حركة يدي الطفل الجالس على عتبة منزله أو حركات الحمائم الثلاثة التي تقف في وضعيات متباينة في أعلى اللوحة، ما يعكس بصدق الاتجاه الانطباعي الذي اختاره الفنان هنا كتوجه ومنهج ينقل به للمشاهد ما ينطبع به هو ويريد مشاركته مع من سيقف أمام لوحاته في أمكنة أخرى غير المكان الذي تحمله لوحة (زنقة الإسبانيول).