رياض إبراهيم الدليمي
الفنانة المصرية الدكتوره “جيهان سلامة ” تتخذ من فن” الكولاج ” وأساليبه وأنواعه من الفنون التشكيلية الذي يروق ويتلائم مع موهبتها التشكيلية، فعند النظر إلى أعمالها تكاد لا تفرق بين أسلوبها هذا أو أي عمل تشكيلي آخر كرسم أو خزف، ويعزو ذلك إلى تقنيتها بالتصميم والتنفيذ ونجاحها باختيار سطوحها وموادها وألوانها في انتاج لقى وتحف فنية معمولة ومخلقة بمهارة .
الفن لم يعد ترفًا وحالة ذوقية وجمالية فحسب؛ بل بات ضرورة حياتية حسب متطلبات العصر وفن ” الكولاج والديكوباج “أنموذجًا ليلبي متطلبات وحاجات الحياة الأسرية والحالة العامة للمجتمع، ومنذ انطلاقته الأولى بقرنين قبل الميلاد في الصين ومن ثم باليابان وأوربا.
ارتبطت الحاجة إليه في الصناعة الورقية والخزفية وكذلك أسهمت الكاتدرائية في رسم ونقش وحفر الأيقونات التي تزيّن معالم هذه الكاتدرائية التي نفذت هذه الأعمال فيها على الورق المذهب لينسجم مع قدسية وروحية الكنيسة وأجوائها لتضفي عليها سمة الأبهة والتعظيم للمقدسات وخاصة حين تُجسد الرسومات هذه الرموز المسيحية أو باقي الرموز الدينية كل حسب دياناته ومقدساته .
لقد أسهمت “جيهان سلامة “بشكل فاعل في صياغة خطاب ثقافي معرفي جمالي من خلال أعمالها الفنية وتناولت توظيف الرمز الثقافي والاجتماعي وخاصة عندما اتخذت من المرأة وقضاياها وجمالها لتكون رسالة ثقافية لمكانة المرأة في هذه الحياة وموقعها المتميز في البناء والتنمية فاشتغلت على ترسيخ واقع جمالي فني تكون المرأة مركزه لا هامشًا فيه بل قطبًا فاعلا، لهذا سعت “سلامة ” لتواكب رسالتها فوظفت الملكة الفرعونية “النفرتيتي” في أعمالها ورسمتها بأجمل صورة ورونق على سطح خاماتها و ( نفرتيتي ) هى رمز للجمال والسلطة في سفر وإرث مصر القديم (الملكة نفرتيتي والتي يعنى اسمها “الجميلة أتت” هى زوجة الملك أمنحوتپ الرابع الذي أصبح لاحقًا أخناتون فرعون الأسرة الثامنة عشر الشهير، وحماة توت عنخ آمون).
وكانت تعد من أقوى النساء في مصر القديمة، عاشت فترة قصيرة بعد وفاة زوجها، وساعدت توت عنخ أمون على تولي المُلك، وكانت لهذه الملكة الجميلة منزلة رفيعة أثناء حكم زوجها. هى تنتمي للأسرة الثامنة عشرة، وعاشت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ومثل ما حدث مع زوجها، فقد تم محو اسمها من السجلات التاريخية كما تم تشويه صورها بعد وفاتها، اشتهرت نفرتيتي بالتمثال النصفي لوجهها المصور والمنحوت على قطعة من الحجر الجيري في واحدة من أروع القطع الفنية من العصر القديم وهو أشهر رسم للملكة نفرتيتي ).
من أعمال الفنانة”جيهان سلامة”المميزة والتي جذبتني لوحة “المرأة الكونية ” وهى تصور امرأة بطابع شرقي إفريقي بزيها وحليّها ووضعتها في مركز هذا الكون الاشراقي لتكون مركزًا للشمس وواجهتها المشرقة وهى ” كنداكة ” إفريقيا ومركز القارة الإفريقية، وجعلت “سلامة” من تاريخ وحضارة إفريقيا عامة ومصر خاصة خلفية لسحر جمالها وتضاريس أنوثتها وهى تحمل على رأسها قدرًا، وهنا ترمز وتوحي بهذه الرمزية إلى أنّ المرأة أو القارة الإفريقية هى مصدر مهم ورئيس من مصادر إدامة العالم والحياة بالخصب والثراء والنماء وسلة غذائية لا يمكن التنصل أو الاستغناء عنها، إضافة لكونها مصدرًا للإشعاع والحضارة، وخاصة نلاحظ في خلفية العمل استعراضًا لمراكز الإشعاع الحضاري في هذه القارة (إفريقيا كما تُكتب إفريقيا أو إفريقية هى ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، تأتي في المرتبة الثانية بعد آسيا ويُنظر إلى قارة إفريقيا، وخاصة وسط شرق إفريقيا، مِن قِبَل الباحثين في المجتمع العلمي على نطاق واسع باعتبارها أصل الوجود البشري…
بدأت كتابة أولى صفحات سجل التاريخ، منذ 3300 قبل الميلاد تقريبًا في شمال إفريقيا ببزوغ نجم الحضارة الفرعونية في مصر القديمة. وهى تعد واحدة من أقدم وأطول الحضارات بقاءً. فقد كان للحضارة المصرية تأثيرًا على المناطق الأخرى بمستويات متفاوتة حتى عام 343 قبل الميلاد. فقد وصل تأثير الحضارة المصرية غربًا إلى “ليبيا حاليًا”، ووصل إلى كريت وكنعان شمالًا، ومملكة أكسومو النوبة جنوبًا. وقد تكٌّون مركزًا مستقلا للحضارة يتمتع بعلاقات تجارية مع فينيقيا في قرطاج على الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا.
وفي أوائل القرن السابع الميلادي، إتسعت الخلافة العربية الإسلامية حتى وصلت إلى مصر، ثُم تابعت حتى وصلت إلى شمال إفريقيا. وفي وقت قصير، استطاعت النخبة المحلية من الأمازيغ الاندماج مع القبائل العربية المُسلمة. عندما سقطت دمشق عاصمة الأمويين في القرن الثامن الميلادي، انتقل مركز الحضارة الإسلامية في حوض البحر المتوسط من سوريا إلى القيروان في شمال إفريقيا. وقد إتسمت الدولة الإسلامية في شمال إفريقيا بالتنوع، فهى مركز للصوفيين، والعلماء، والفقهاء، والفلاسفة.
وخلال هذه الفترة المذكورة آنفًا، انتشر الإسلام في صحراء جنوب إفريقيا، من خلال طرق التجارة والهجرة بشكل أساسي )، لذا تؤكد سلامة في أسلوبها الفني هنا على أهمية فني “الكولاج والديكوباج” في إيصال الرسالة الفنية والثقافية معًا ولتلبي طموحاتها وتعبر عنها في هذا الفن الجميل .
من أجل أن ينفذ الفنان عملا فنيًا متقنًا بأسلوب فن ” الكولاج أو الديكوباج ” لغايات جمالية تتسم بالطابع الفني التشكيلي ليظهر العمل على أنه لوحة تشكيلية فلابد أن تكون لديك الملكة الإبداعية للفن التشكيلي أولا، وأيضًا أن تمتلك شروط المزج اللوني وتناسقه وتوازنه داخل العمل وخارجه ممثلا بإطاراته لتتشكل الملصقات والتقطيعات الداخلية نسقًا شكليًا منتظمًا مع البرواز ولتتناغم معا، وباعتبار الفن علم وذائقة ومهارة فهذه الأركان اذا ما اجتمعت في العمل الفني فإنها ستخلق حالة إبداعية لا يمكن أن يحجبها غربال.وفن “الكولاج ” الذي شاع مؤخرًا وأخذ حيزًا كبيرًا له ضمن الفنون البصرية وتعددت أساليبه وطرق تصميمه وإخراجه وكثرت تقنياته، وتكمن حاجة الإنسان في عصرنا لهذا الفن بتعدد أساليبه وآليات تنفيذه لأنه دخل ضمن تنسيق جماليات الجدران والأثاث والملابس والتحفيات والاكسسوارات البيتية أو الأكسسورات المختلفة، ويمكن لنا أن نجمل مفهوم فن الكولاج ( فن الكولاج عادة يسمى Mixed Media) أي أنك تقوم بصنع لوحة فنية باستخدام خليط من مواد متعددة وليس من مادة واحدة فقط، وهذه المواد يمكن أن تكون: ورق جرائد أو مجلات، بطاقات، أشرطة، أجزاء من الورق الملون، ورق مناديل، تجاليد، معادن، مواد بلاستيكية، قماش، أسلاك ونسبة من الأعمال الفنية الأخرى والصور الفوتوغرافية.
كما يمكن للفنان استخدام مواد يجدها كالأصداف، ريش طيور، حصى، وغيرها. تُجمع هذه القطع وتلصق على قطعة من الورق أو لوحة خشبية أو القماش. ويلاحظ الفنان أنه كلما استخدم أغراضًا أثقل وأكبر كلما احتاج لوحة أقوى لحمل هذه الأشياء. وإن استخدام شكلان منفصلان من نوعيتين مختلفتين من المواد في لوحة كولاج واحدة يوحي بالانتقالات الشكلية) .
رمزية المرأة في أعمال ( جيهان سلامة ) يكاد يكون طاغيًا في جل أعمالها سواء التي جسدتها على شكل لوحات جدارية أو التي نفذتها على الزجاج والخشب والقماش والجلود والمرمر أو أية سطوح أخرى، فاعتبرت المرأة بوصفها آلهة الجمال والرومانسية والنقاء الروحي واخضرار الطبيعة والحياة يكمن في روحها وذكائها ومشاركتها الفاعلة في عجلة الحياة والمجتمع في البناء والتنمية وتعد حمامة سلام في هذا الكون والوجود ومنبعًا للوهج الأنثوي والمعرفي. وأنتجت “جيهان سلامة “عدة تحف وانتيكات بزخرفاتها ونقوشها الرائعة وهى تمكنت من توظيف الحرف العربي والآيات والسور القرآنية بشكل بديع بألوانها ودقة وحرفية التقطيع واللون واللصق واتزان الشكل مع اللون مع الخامة، ناهيك من توظيف الطيور والزهور بشكل فني محترف لتؤكد موهبتها وحرفيتها في صناعة وإنتاج فن “كولاج ” ببصمتها التي تمثل شخصيتها وثقافتها وروحها.
وتعبر عن ثقافة بيئتها بشكل آخاذ ومشوق ومبهج ( عندما بدأ بيكاسو استخدام الكولاج في الرسومات الزيتية قام بلصق قطعة من القماش البلاستيك (المشمع) على قطعة من القماش بكرسي، أما محترفو السريالية فقد توسعوا باستخدام فن الكولاج بشكل أكبر فقاموا باستخدام قصاصات لصورة مقطعة بأشكال مختلفة، ثم تجميعها بشكل عشوائي. وطريقة أخرى لهذا الفن تعتمد على إضافة طبقات من الصور بزوايا اللوحة الأصلية، مع إزالة جزء من طبقة الصورة العلوية لتبرز ما تحتها من قصاصات.أيضًا هناك تقنية ” قصاصات القماش”، وهى عبارة عن لصق عدة رقع من القماش المطبوع بشكل متفرق على واجهة قطعة قماش أساسية وقد برع الفنان البريطاني John Walker بهذه التقنية في رسوماته في أواخر السبعينات) .