عرض: محسن صالح
هناك فى الحياة من تقابله وتتحدث معه ولاتريد بعد فترة قصيرة من الزمن أن تتركه وهناك من تعايشه لسنوات كأنك تعايش الجمادات فلا حياة ولا روح بل ثقل على الروح والنفس ،وهناك من تحلق معه فى السماء طيرانًا من البهجة والفرحة لوجوده أو حتى لقربه . يتوازى الفن مع الحياة ، فنرى من الفنانين من نحلق معهم فى سماوات البهجة والمتعة الفنية ومن هؤلاء الفنانين نجد الفنانة ” ثريا فهمى ” والتي نتناول معرضها الحالى ” انتظار” والذى يقام بإحدى قاعتى جاليرى بيكاسو بالزمالك حيث تعرض روائع التشكيلى لفنانين ذوى قامة عالية فى مجال الفن التشكيلى فى مصر.
نقترب من معرض الفنانة ” ثريا فهمي” لنجد ملامحًا شتى تشدنا إلى لوحات هذه المبدعة ، ولعل أول مايصادفه من يرتاد قاعة المعرض هو هذا الضوء الذى يشع من اللوحات وكأننا نلق صباحًا مشرق الشمس حلو الجو لانريد أن نتركه و نريد له أن يدوم. الألوان فى هذا المعرض ألوان مضيئة ، ألوان بهجة تأخذك إلى ركن الراحة . نلقى العديد من الألوان فى هذه اللوحات ونجد على رأسها اللون الأزرق واللون الأخضر لونان من الطبيعة البكر، مع اللون الأزرق نسافر إلى حيث الموج إلى حيث زرقة السماء التى تحتوى ، ننطلق إلى حيث الراحة.
وفى اللون الأخضر نرى لون النماء ، لون الحدائق ورافة الظلال ، لون تعزف موجاته على أوتار النفس. ونلتقى كذلك بألوان الورود وكأنى بالفنانة فى لوحاتها تكسر ملل الانتظار بروعة وحسن الورود فى تفاعل بين الخضرة والورود أو الزهور فى معانيها المختلفة المرتبطة بالحب والود والعطاء. ونجد الزهور فى أماكنها المعتادة ، كما نجدها تحتضنها الأيادى فى انتظار من سيأتى أو من ستأتى. إنه الاستعداد للقاء. ولا أنسى الحديث عن لون يتغلغل فى اللوحات ألا وهو اللون الأبيض لون النقاء، لون البراءة ، لون الصفاء وتحمل الطيور ذات اللون الأبيض فى اللوحات ممثلة فى الحمام الزاجل وخلافه معانى الانتظار لرسائل تأتى أو للغائب حتى يعود. تتجمع هذه الألوان لتصنع مع موضوع اللوحات ومع الرموز المتعددة داخل اللوحات عالمًا خاصًا له سماته المتفردة. وإذا تركنا الباليتة التى تعزف على أوتارها الفنانة المبدعة ” ثريا فهمى” ودخلنا إلى الرموز التى تمتلئ بها اللوحات سنجد الكثير والكثير من الرموز التى تتعدد داخل اللوحة وكأنى بالفنانة تريدنا أن نعيش حالة من الانتظار تتوسل فيها بكل الرموز حتى يحدث ذلك التفاعل الوجدانى بين بطلة اللوحة وبين من يجوارها ، فنجد الطيور فى اللوحات ونجد الشمعدان ، والسلم ولعبة الطفل ، والحذاء ، المقاعد … إلخ من رموز نراها تتغلغل إلى أعماقنا نطالع كل لوحة ونعيد النظر المرة تلو الأخرى حتى تكتمل الصورة داخل أنفسنا ، ولعل الفنانة المبدعة أرادت أن تخلق لنا عالما يحوطنا وفى ذات الوقت نرى مفرداته ولاننساها.
الفقد أو انتظار الغائب ملمح يتغلغل فى أعماق كل لوحة تقريبا ، نلمسه فى مجموعة من اللوحات الحلوة والتي سأقف أمام بعضها. ففى لوحة شديدة التعبير ، نجد بطلة اللوحة وهنا نجدها على شاكلة بطلات اللوحات تقريبا تنظر إلينا فى المواجهة وكأنها تريدنا أن ننظر إلى أعماقها ونغوص حتى نعايش لحظات قلقا أو شرودها . وهنا نجد عبقرية مبدعة اللوحات وهى ترينا العينين الواسعتين والنظرة الصامتة المتحدثة فى ذات الوقت- نجد بطلة اللوحة امرأة أو شابة تنتظر على مائدة الطعام وبجوارها الشمعدان ، إنها تنتظر من يجئ ونراها فى صمتها ،فنجد أنفسنا نجلس إلى جوارها وهي تمسك بضفيرتها وتنتظر والوردة الوحيدة مثلها هناك فى إناء متسع تشعر بالوحدة.
فى لوحة أخرى نرى بطلة اللوحة على البحر والمقعد الذى أمامها شاغر والمقعدان فى خلف اللوحة شاغران ورغم لون البحر ورغم الورود إلا أننا نرى دموعا تترقرق فى عينى بطلة اللوحة ولعلها الوحدة.
وفي لوحة ثالثة وأخيرة نجد بطلة اللوحة فى جلبابها الأخضر وكأنها تريد بهذا اللون أن تتخلص مما فى داخلها من قلق الانتظار وهى تتوسل فى ذلك بالحمامة التى ترقد فى سلام فى يديها وفى نفس الوقت الشمعدان الذى يحلق فوق رأسها.المشاعر فى عيون بطلات اللوحات – إن جاز هذا التعبير- تحكى لنا فى لغة بليغة كل مايدور فى داخل موضوع كل لوحة. ونرى الأطفال فى بعض اللوحات . هذا ونرى أن المرأة تقريبا تشغل كل اللوحات ولعلى بالفنانة تريد أن تقول لنا بأن المرأة هى من تتحمل الهموم ومن تصبر ومن تنتظر.
لقد طوفت فى الكلمات السابقة حول بعض لوحات معرض”انتظار” للفنانة المبدعة ” ثريا فهمى” ، ذلك المعرض الذى تمثل لوحاته بجمالها وروعتها وتألقها حدثا فى عالم الفن التشكيلى قدمه لنا جاليرى بيكاسو الزمالك فيما يقدمه من روائع الأعمال. فألف تحية للفنانة المبدعة .