الفنانة السودانية دعاء الحاج..تلك الفردية التعبيرية المذهلة
” ستكون أفريقيا موطنًا لثقافة الفن المعاصر” بيكاسو
الفن البدائي، الفن الغرائبي، الفن المقدس، الفن السحري كلها أوصاف أطلقت على الفن التشكيلي الأفريقي لتصف منتجًا إبداعيًا بكرًا وعفويًا ومغايرًا بنكهته الحرة الطليقة التي تداخلت مع العصري الحديث لتبدع خلطة بصرية نوعية، مارس الفن الأفريقي سحره وسطوته على كبار الفنانين الأوروبيين فأبدعوا لوحاتهم مستعيرين العين الأفريقية ومنهم بيكاسو، هنري ماتيس، فان جوخ، جوجان، جورج براك، وميدو موديلياني والقائمة تطول وعلى الضفة الأخرى للإبداع كان هناك الفنان الأفريقي الذي حمل موروثه الثقافي على أطراف فرشاته ليضرب بها مبدعا فنا تعبيريًا، وتجريديا، وتأثيريًا، خرج إلى النور بأرقى قواعد التشكيل الحديث دون أن يلتزم بقواعد المنظور الغربيبالقياس على ما سبق يمكننا وبأريحية تامة أن نصف الفنانة التشكيلية (دعاء الحاج) بأنها تشكيلية أفريقية معاصرة، ولعدم الوقوع في شرك الاختزال، فهي بقدر ما تشتبك مع الواقع المعاش، ترمي جذورها لتترابط مع أصولها الفنية الأفريقية الأصيلة بلغة بصرية غير هجينة لكنها تعلو وتتعالى على قيود التنميط.
تتميز لوحات الفنانة التشكيلية (دعاء الحاج) ببساطة السهل الممتنع، وبتقاليد فنية راسخة وسقف عال من الابتكار الإبداعي، فهي تقدم أطروحات فنية تستخدم مفردات بيئتها الموروثة بكل دقة التفاصيل ومتعتها لكن بمعالجات وصياغات جديدة وتقنيات فنية مغايرة للسائد والمألوف فتقارب في لوحاتها مادة فنية متمردة بطبيعتها لكنها حين تقدمها إلى الناظر، تقدمها رقراقة خالية من الصخب تمامًا كماء نيل السودان الرائق بعد فيضان كبير ولا نبالغ في القول أننا نجد بعض لوحاتها تعمل كوسيط روحاني يتصل بالذاكرة الجماعية لبني جلدتها.تستخدم (دعاء الحاج) في لوحاتها عناصر آدمية وحيوانية على حد سواء و”تعشقها “مع إشارات ورموز ونقوش مستوحاة من بيئتها الأفريقية كي تخلق في نهاية الأمر نصوصا بصرية متعددة مستويات التلقي فمن التشكيل الواضح البسيط حتى الدلالات الرمزية الروحية ذات الطقوس الروحية والاجتماعية التي تتماهى وتستدعي حكمة الاسلاف مستخدمة المبالغة في النسب وبعض التبسيط والاختزال فهي كغيرها من الفنانين الأفارقة على وجه العموم والسودانيين على وجه الخصوص تستخدم المدارس التجريدية والتأثيرية والتعبيرية ضمن عملية إبداعية فردية تقوم بالاشتباك مع النموذج الأصلي وأحيانا فكه وإعادة تركيبه وبنائه محققة من خلال ذلك جملة من الأهداف الجمالية داخل أطر زمنية متعددة المسارات والأوجه والأبعاد فهي تبني بناء جماليًا/ زمنيًا معقدًا يتحاور فيه الماضي مع الحاضر لتشكيل مستقبل مبدعًا مفتوح الإمكانيات يتجاوز حدود الشكل أحيانًا ويتخطى القواعد الشكلية الكلاسيكية الغربية الصرف أحيانًا ويتحدى النقل التشخيصي للقواعد التشكيلية الصارمة أحيانًا أخرى في ترابط وتشابك جدلي ورشيق بين الثابت والمتحول، وبين الماضي والموروث وتفاصيل المعاش والضروري بفردية تعبيرية مذهلة.
من الأفضل أن تتم مقاربة لوحات الفنانة السودانية (دعاء الحاج) كنسق إبداعي شبه مكتمل له مفرداته الباطنية الغنية بالتفاصيل الشخصية والإنسانية في تفاعلها مع محيطها البيئي الممتد رأسيا وأفقيا، ففي داخل هذا النسق الفريد نجد أن التشبع بالألوان خصيصة من خصائص هذا النسق حيث يتوزع هذا التشبع اللوني على نقيضين واضحين، فما بين سمرة الوجوه والألوان الداكنة المميزة للبيئات الافريقية التي برعت الفنانة في استخدامها بدرجات البنيات المختلفة نجدها تتفنن في تعشيقات الألوان الزاهية المميزة للثقافة الأفريقية ما بين الأزرق والأخضر والأحمر في تشكيل فني يلتزم بقوانين الانسجام الكامل بين مجموع تلك الألوان بما يؤكد القيمة الفنية وفي نفس هذا النسق المشبع بالألوان نلحظ قلة التفاصيل لصالح غزارة التركيب واستخدام تيمات تشكيلية متناغمة بعيدة كل البعد عن الرتابة والآلية فهي في مجملها تعكس حيوية فائقة ليس منبعها البيئة الأفريقية فقط ولكن حيوية الفنانة الشابة ذات الـ 24 سنة فهي ترى الجمال والحيوية في الأشياء العادية والبسيطة الموجودة في الحياة اليومية.
بهذا المعنى يمكن للفنانة السودانية المقيمة في السعودية أن تكون إضافة كبيرة لحركة الفن التشكيلي السودانية الرائدة المترعة بالأسماء ذات الأسماء الكبيرة أمثال الفنان إبراهيم الصلحي والدكتور راشد دياب والفنانة كمالا، ورغم أن دراستها بعيدة عن الفن التشكيلي فهي تخصصت في إدارة الأعمال إلا أنها علمت نفسها الفن التشكيلي ذاتيا بقوة الموهبة التي تجلت منذ الطفولة وبدأب المبدع العاشق وبتشجيع فناني أبها إضافة إلى دعم الأهل والأصدقاء.
شاركت دعاء الحاج في الكثير من المعارض إلى جانب معرضها الشخصي الأول للفن والثقافة الأفريقية منها معرض مسك الفنون ، ومعرض بيشه الدائم ومعرض ميزان الخط بجامعة الثقافة والفنون .