كتبت/ سمر العربي
“إنَّ ذروة الفن في رسم الوجه البشري” (بول سيزان)، البورتريه هي كلمة فرنسية، وتعني هذه المفردة التي تجاوزت اللغة الفرنسية وعبرت إلى كل لغات الأرض “العمل الذي يمثل هيئة شخص معين”، ولم تعبر الكلمة الفرنسية حاجز الثقافات واللغات فقط لكنها أيضًا عبرت حاجز الطبقات وحاجز الزمن فقد تجد بورتريه يمثل إمبراطورًا أو شاعرًا، ملكًا أو شخصًا عادي، رجلا أو امرأة، كما ستجد هذا الفن معبرًا عن أباطرة الصين أو ملوك الفراعنة أو رؤساء العصر الحديث، أو جميلات لا تعرف أسمائهم، ففن البورتريه هو فن جامع مانع لمفهوم البشرية الرحب.في القرن السادس عشر وضع ترتيب لأهمية الموضوعات التي يتناولها فن الرسم وجاءت كالتالي: في الصدارة الموضوعات الدينية والأسطورية ثم فن البورتريه ثم مشاهد الحياة اليومية ثم الطبيعة يليها رسوم الحيوانات وأخيرًا الطبيعة الصامتة.يدل هذا الترتيب الذي ظل معتمدًا حتى القرن التاسع عشر وانتهى بظهور الانطباعية على أهمية وصعوبة فن البورتريه فهو لايقتصر أبدًا على مجرد نقل ملامح الشخصية صاحبة البورتريه فالفنان الذي يختار فن البورتريه عليه أنْ يكون عالمًا نفسيًا، وصاحب حدس فهو يعبر عن الحالة الشعورية والاجتماعية كما يعبر عن طباعه وعاداته وهو ما يتطلب جهدًا ذهنيًا وبراعة فنية كبيرة، وهنا لايكون المعيار أبدًا هو دقة التشابه فلو كان الأمر كذلك لكان فن البورتريه أندثر بمجرد ظهور التصوير الفوتوغرافي.ربما لكل ما سبق اختارت الفنانة (مي مجدي) أنْ تبدع إنطلاقًا من فن البورتريه فهو الركيزة الأساسية لمعظم أعمالها التي اختارت لها وجوهًا عربية أصيلة بملامح واضحة صلبة قوية ومبهجة تبعث على الأمل في اسكتشات سريعة حية ووسيطها الأساسي هو الألوان الزيتية. تقول الفنانة التشكيلية (مي مجدي) “أنَّه لطالما كان فن البورتريه شغفها، لإيمانها الراسخ بأنَّه لا توجد مرآة للمجتمع أفضل من وجوه أبنائه وهذا الشغف طغى على أغلب أعمالها، فأصبحت تهتم بكل ماله روح وملامح عربية”.كان لنشأة الفنانة مي مجدي في دولة الإمارات العربية أثرًا كبيرًا في موضوعات لوحاتها، فهي شديدة الوفاء للمجتمع الذي نشأت به مرتبطة بأهله وعاداته وتقاليده وتشربت كل مفردات هذه البيئة الإماراتية القريبة إلى نفسها وقلبها لذا كان من الطبيعي أنْ تبدو ملامح هذه البيئة جلية في هويتها الفنية وضربات ريشتها الرشيقة والواقعية التي جسدت ملامح أبناء دولة الإمارات العربية مستلهمة وببراعة موروثها الثقافي من خلال تقفي أثر وجوه أبنائها التي أضحت موضوعًا أساسيًا لأعمالها الفنية التي تبجل جوهر الجمال والثقافة في دولة الإمارات وفي المنطقة العربية كلها بكل ما تعنيه من خصوصية وفرادة وعبق ساحر.تأثرت الفنانة (مي مجدي) بالانطباعي العظيم (فنسنت فان جوخ) وهو من أكثر الفنانين الذين استبطنوا أنفسهم عن طريق فن البورتريه الذاتي فقد رسم نفسه ثلاث وأربعين مرة عبرت عن كل خلجات نفسه وأحواله وكأنَّما كان يجلس على كرسي الاعتراف فرسم مشاعره وتوتره وروحه وعذاباته وهكذا تقوم (مي مجدي) من خلال تأثرها بهذا الفنان العظيم بنبش دواخل شخصياتها من خلال ضربات ألوانها الزيتية السميكة، وبخطوط طويلة متعرجة تخلق لوحات حية بالألوان، مفعمة بالحركة، ناطقة بالمشاعر.الفنانة (مي مجدي) هي مثال على الفنان المتفاعل مع بيئته ليس فقط بفنه ولكن بكل جوانحه وخلجاته فهي تحمل مجتمعها أينما حلت وأبدعت، وتنخرط في أنشطة فنية مختلفة حيث تقدم محاضرات وورش فنية للبالغين وتقوم بإعداد وتجهيز الطلاب لاختبارت الكفاءة للقبول في الكليات الفنية من خلال ورش فنية متخصصة.شاركت الفنانة (مي مجدي) عبر سنوات من الانخراط في مجالات الفن التشكيلي في العديد من المعارض في مصر وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، كما شاركت في تنظيم مجموعة من المعارض والفعاليات الفنية مع عكاس للفنون البصرية بالتعاون مع هيئة الثقافة والفنون، كما عرض أحد أعمالها الفنية وهو بورتريه للشيخ زايد على مبنى ناسداك الشهير في ميدان التايمز بنيويورك.