عرض: محسن صالح
النحت هو الحياة كما نراها ونلمسها ، نلمح فى النحت التجسيد ونلمح فيه النبض ونلمح فيه الحركة ونلمح فيه الدفء والبرودة والصقيع أحيانا نخاف ونرتاح فى وجوده ونسعد ونحزن كذلك ، إنه بحق الحياة ولعل تعدد أبعاد المنحوتة أوالعمل النحتي هو الذى يضفي على هذا الفن الوهج الخاص به ، بل يضفى عليه كل جلال وعظمة يزيد منها طبيعة العمل ونوع المادة ولمسات الفنان أوالفنانة .
نحس بكل معانى التفرد فى النحت فى أعمال الفنانة الدكتوره “منال هلال” والتي سيبدأ لها معرض قريب فى إنجلترا خلال الشهر الحالى بكلية الفن والتصميم بجامعة كارديف خلال الفترة من 17 إلى 21 فبراير 2020 الحالى . نقف أمام نماذج أعمال إبداع هذه الفنانة ونحن لانستطيع حصر كل المعانى التى تعتمل فى النفس، فلا نجد سوى الهتاف وترديد عبارات تدور حول هذه الأعمال وتعبر عن احساسات النفس وانفعالات العقل والقلب.نقترب من بعض الأعمال ، حيث نرى فى منحوتة الطائر وهى من معدن الألومنيوم غلبة الكتلة والإحساس بذلك التناغم بين التمثال ومن حوله فى أخذ ورد مع المحيط حوله يذكرنى بمنحوتات الفنان الإنجليزى الشهير هنرى مور حيث نرى الكتلة تمثل العمل النحتى مع قلة التفاصيل ولعل الفنانة تريد أن تشير لنا فى إشارة عاجلة إلى كنه الطائر كتشكيل نحتى بدون تفصيل.
نرى طائرًا يمكن أن يتوازى مع أكثر من نوع من الطيور ولكنه يعبرعن كل معانى الانطلاق والتحرر والتحليق والسياحة فى عالم الحرية ، نجد تأثير المادة ممثلة فى الألمونيوم باللون الفضى تتوازى مع عالم السماء والسحاب الذى يمثل العلو والراحة.نرى فى منحوتة أخرى من خامة الفايبرجلاس تحت مسمى طائر ضربًا أخر ومعزوفة أخرى حيث نرى الطائر هنا قد فتح جناحيه للعالم وهو يقف مرفوع الرأس يفرد إحدى جناحيه كأنه يحتضننا . نلمح معانى القرب والإحتواء والمحبة والألفة ونرى تلك الدائرة التى توجد فى إحدى جناحى الطائرة كنغم خاص داخل المنحوتة ونعجب لوقفة الطائر وشموخه ونظرته الثابتة وكأنه يتكلم فى صمت ، بل إنني أسمع حفيف أجنحته فى الهواء وهو يضرب بها فيحرك الهواء ويعبرعن نشوته فى حضور من يراه . وتأتى إلى مخيلتى الطيورعلى واجهات معابدنا الفرعونية فى أشكالها وحركات أجنحتها وكأنها تتفاعل مع الواقع المحيط بها من بشر وكهنة وعبادات.فى منحوتاتين متقابلتين تحت مسمى أبيض وأسود نجد فيهما معانى الحياة وكأن الفنانة تريد أن تقول لنا أن لب الحياة من حولنا وجمالها فى ذلك التقابل بين الأبيض والأسود وأن الاختلاف يمثل التكامل ونجد فى التقابل حياة . نرى في كل منحوتة معزوفة تقابل أخرى وصمت متكلم – إن جاز لنا التعبير- صمت يعبر عنه حديث داخلى وسيال من الأخذ والرد نحسه ونقف أمامه ونحن نمتليء بالدهشة من هذا الإبداع المتميز والمتفرد.
نحلق مع الفنانة المبدعة الدكتوره “منال هلال” فى تمثال أخر تحت عنوان طائر من الفايبرجلاس ، حيث نرى اللقطة الجانبية ونرى فى نظرة الطائرالمتأملة كل معانى الود وكأنه يحادثنا ويتكلم معنا ويتضح ذلك فى العين التي ترى والنظرة الصامتة . فنحار هل مانراه منحوتة صامتة أم طائرًا يتفاعل معنا ويحادثنا ويكلمنا وكأننا من فصيلته.
نرى فى المنحوتة معانى الأمان حيث الطائر يجلس ولايخشى شيئًا . إن المعانى التى تجسدها المنحوتة واختيار الطائر يجعلنا نريد التحليق فى الفضاء الذى يحيط بالمنحوتة ، بل أحس كأننى أريد أن احتضن هذا الطائر وأهدهده.فى منحوتة “الصرخة” أحس كأننى أصرخ مع المنحوتة يخرج صوتى مع صوتها الخارج من الأعماق ، بل إننى أرى الرنين والصرخات تتردد عالية من جوفها. وأقف أما اختيار المادة وذكاء التشكيل وكيف وصلت الفنانة فى العزف على الخامة PVC حتى تخرج الأصوات ونلمس طبيعة المنحوتة ونخاف أن نقترب منها من شدة الصوت الذى نسمعه ونحن نراه.وتبدع الفنانة باستخدام نفس الخامة لنرى البالية فى منحوتة أخرى ، نتفاعل فيها مع المنحوتة ونغوص فيها فنراها راقصة بالية تقدم رقصة فنية مبدعة فى باليه مثل باليه بحيرة البجع ، فنسكت ونحن نرى الراقصة وكأننا ننتظر انتهاء الرقصة لنصفق لها بشدة وبحرارة.فى خاتمة هذه العجالة السريعة والتطواف بين منحوتات الفنانة المبدعة الدكتورة “منال هلال”، نقف فى خشوع أمام منحوتاتها على تنوع خاماتها وعلى تنوع ابداعاتها وطرائق التعبير لنرفع القبعة عالية لهذه الفنانة التى تفكر كثيرًا حين تبدع لتجعلنا نقف كثيرًا ونحن نرى روائع المنحوتات فنسمع حين نرى ونرى ونحن نسمع لننتهى إلى الإعجاب بما تقدمه من فن متميز وراق.