تتضح من الأعمال الفنية حين رؤيتها نسماتها إن جازت هذه العبارة ، فنشم رائحة العبير و تخطفنا ضربات الفرشاة كأنها آلات نحاسية عالية الوجيب تخطف قلوبنا إلي هناك إلي حيث الفن ، أونسمع همسا كأنه الهسيس فنصغي له وقلوبنا تخفق معه وتتجاوب معه ، كل هذه الجوانب و الانطباعات نراها ونسمعها ونحسها في لوحات الفنانة المبدعة “أماني موسي” حيث تضعنا مباشرة في قلب لوحاتها التي تتناول لقطات من الحياة التي نحياها ، نحس بفانتنا المبدعة تعزف ألحانها في تؤدة وهدوء وعمق ، بل نجدها لاتتوقف عن أسرنا في دائرة إبداعاتها لنتوقف المرة تلو الأخري أمام إبداع خالص يجعلنا نتعلق بالفن التشكيلي ممثلا في أعمالها التي تثري و التي تضيف للعقل والروح معا.
تقف أمام لوحات الفنانة وتظل تتأمل اللوحة من عدة زوايا وجوانب مختلفة وتعيد النظر إلي تفاعلات الألوان علي صفحتها وإلي ملمسها وقدرة السيمفونية اللونية بتفاعلها وكأنها معزوفة حقة تأخذ من الطبيعة معناها ومن النفس البشرية وجيبها ، تأخذك من عالمك الواقعي إلي عالم أخر من الرؤي والأحلام في تجدد للنفس و حفز لها .
حينما تتوازي الأعمال الفنية بين مجال للتعبير الفني والأخر أو مايمسي بالرؤية البصرية ، نجد أنفسنا في حيرة أيهما فاز في نقل المعني والأثر والاحساسات ونظل في الداخل نقيم دون وعي منا المقارنات تلو الأخري لنجد أنفسنا نرجح كفة هذا علي ذاك ويتضح هذا في مقارنة بين لوحتين للفنانة “أماني موسي”وذلك في ضوء معرض قراءة بصرية لأشعار الشاعرين الكبيرين صلاح جاهين وفؤاد حداد ،إننا نجد أنفسنا في قلب الكوميديا الإلهية لدانتي عن الجحيم ، ننظر إلي الشيطان و نعاينه. لن أتحدث هنا عن القصيدة بل عن اللوحتين واللتين سنغوص في أعماقهما و نحاول الاقتراب منهما. في اللوحتين نجد التعبير اللوني و تضافر الألوان والخطوط والأشكال لوضعنا في قلب الحالة ، فنجد أنفسنا و كأننا نعاين الشيطان و نصطلي بمكره ودهائه بل تلسعنا ناره ونشم دخانها .
في إحدي اللوحتين نجد اللوحة يلتهمها جرم شخص أسود اللون غير واضح المعالم وفي جسدة بقع من نار يعبرعنها اللون الأحمر ، بل إنه يجر في خلفه نارا كأنها حمم البركان واللهب ونجد اللون الأزرق يتضاءل في يمين اللوحة مفسحا المكان لهذا القادم الماحق . وحينما ننظر للون ونري انسحاق الأخرين أمامه ، نجد كل معاني الشيطان في النفس متجليه ماثلة للعيان أمامنا ونري القصيدة بل نحس بدمدماتها في داخلنا .
وفي اللوحة الثانية التي تتوازي مع هذه القصيدة ، نجد شخصا أوكيانا رمادي اللون ضخم كذلك تدفعه من أسفله نار وكأنها خارج من لظي جهنم . في اللوحة نجد الضدين و نحس بتواز داخلي في طرفيها الأمر الذي يجعلنا نعيش في توتر الحياة وقلقها. في هاتين اللوحتين نري الشيطان وكأننا نراه في الجحيم يعذب أو يحرق بناره كل الأشياء أو يصرخ في أتونه لينقض علي السلام الذي نعيشه . إن اللوحتين تمتلآن بما تعجز الكلمات عن نقله وهنا نجد مستويات التجريد العليا إن جاز لنا التعبيرسمة الفن التشكيلي حيث تتسع دائرة التفسير والتأويل ، إنه إبداع راق من فنانة أرادت أن تخرج لنا عالم الشيطان من قمقمه فجاءت اللوحتان كما أريد لهما أثرا وجلالا في النفس.
أما في لوحتي معرض وسط البلد والذي عقد بقاعة ضي بالمهندسين في أخريات عام 2017 في ذكري الراحل مكاوي سعيد ، نري في اللوحتين أشخاصا ونجد منهم الرجال و النساء ونحس بالمكان ماثلا حيا كذلك ونشاهد توزيعات اللون الأزرق في أحد أطراف إحدي اللوحتين يتدرج إلي ألوان أخري من الأسود في منتصف اللوحة السفلي ونحس كأننا حيال توازيات لونية داخل اللوحة وقد يمثل اللون الأزرق في الجهة اليمني من اللوحة الماء عنصر مع الأرض السمراء مع اللون الأحمر لون النار في تفاعلات تضعنا أمام الحياة في عناصرها الأولي و كأني بالفنانة المبدعة تمسك بالهيولي المادة الأولي لتشكيل العالم و تصنع منها ماتريد في إبداع خالق ومتجدد لاينسي الشخوص حينما يعزف علي اللون ولاينسي الألوان و إيحاءاتها حينما يأتي بالأفراد أو الشخوص ولاينسي المكان والبناء التفاعلي حينما يخلط كل هذا مجتمعا.
و لاتنسي الفنانة المشاركة في المناسبات العامة ذات الذكري في معرض أكتوبر طاقة سلام حيث الاحتفال بانتصارات أكتوبر في العقل الجمعي و نجد اللوحة تضم العديد من الشخوص ونظل نتأمل اللوحة ونحن نفكر في اللون الأزرق واللون الأصفر واللون الأحمر ولعلي بالفنانة تريد أن تقول لنا أن الحدث العظيم هو من صنع البشر و ينتشر اللون الأحمر في تضاعيف الشخوص موزعا ليلقي بمعان أخري من اللهيب والحماسة والتضحية و نري في اللوحة جلال الوقوف وكأننا في حالة من حالات التبتل أمام هذا الحدث العظيم ، حادث العبور إلي النصر. و تظل اللوحة بالباليتة اللونية و شخوصها تتجدد و كأننا نري و نسمع في الوقت ذاته حوار هؤلاء الأفراد و كلامهم الذي يثير في النفس الشجن و يجعلنا نقف اجلالا لهذه المناسبة العظيمة.
وأجدني أنهي حديثي عن الفنانة المبدعة “أماني موسي” بالحديث عن لوحتها الضافية والتي شاركت بها في ملتقي شرم الشيخ الدولي للفنون التشكيلية ، إنها لوحة كبيرة ( 3 متر x 120 سم) و التي طلب المحافظ اقتنائها ونجد أن كبر اللوحة و تنوع عناصرها يعكس لنا كم المجهود الذي بذلته الفنانة في التحكم في هذا المسطح و نظل ننظر إلي اللوحة وضرباتها اللونية – إن جاز استخدام هذا التعبير – اللون الأحمر ثم الأزرق بدرجتيه الغامق والفاتح ثم الأحمر والبني والأصفرأو البرتقالي في معزوفة لونية تسمع حينما تري وتتواجد فوق الجزء الأزرق توزيعات لونية أو لحنية من اللون الأبيض كأنها النجوم التي تضيء في السماء. نجد في اللوحة جمال شرم الشيخ و تجدد الطبيعة وتلاقي الماء مع السماء مع الصحراء في طرح جديد يؤكد علي بكارة العمل . و تظل هذه اللوحة معزوفة تتردد ألوانها ونغماتها كلما شاهدتها وتنصت أو تري جزءا منها ليهرب منك أخر تحاول اللحاق به لتكمل فهم اللوحة المبتكرة ولكنك تلتفت في خاتمة المطاف إلي أنك أمام عمل شمولي وكلي ومتألق في الوقت ذاته يأخذ من الحياة تنوعها و تفردها وتفاعلاها في الوقت ذاته .
وفي معرض “حواء الحلم “في اليوم العالمي للمرأة نتوقف أمام بطلة اللوحة التي تمثل المرأة المصرية في وقفتها وفي حركة يديها إنها حفيدة الفراعنة العظام و نظل ننظرإلي هذه اللقطة كأننا أمام نحت فرعوني علي إحدي المعابد يشي بما كان في سالف الزمان . و يعمق اللون الأزرق في أسفل اللوحة يغطي أسفل الصورة ثم تزداد كثافة الضوء بالصعود لأعلي و نري الصمت في ملامح بطلتها يجعلنا في حيرة ، هل هو صمت عادي أم أن هناك أمرا ما يدور تحت السطح. و نجد انسدال شعربطل اللوحة مع ملامحها يعمق من تأثيرها في النفس و يحدث الأثر المطلوب.
في خاتمة هذا العرض ، نجد أنفسنا أمام تنوع فريد من أعمال الفنانة المبدعة دكتورة “أماني موسي” ، تنوع يضعنا في مأزق محاولة حشد كل الانطباعات حول بعض من أعمالها أو حتي الإحاطة بكل جوانب العمل الذي نتناوله ، الأمر الذي يعكس التنوع و الجدة وكثرة تفسيرات هذه اللوحات. إنه الفن التشكيلي المتميز الذي يغذي الروح و القلب معا والذي تذهب فيه النفس كل مذهب كما يقولون ، و إلي تفاعل أخر مع لوحات هذه الفنانة المبدعة.
اعمال رائعة !!
بالتوفيق يا دكتورة