الأديب السعودى عبد العزيز الأزورى :على أنغام عكاظ

0

( على أنغام عكاظ )

كان – الأخطل – لايتوقف عن استخدام ( السناب شات ) ونقل الأحداث لمتابعيه من داخل الاستراحة التي اجتمعوا بها لإقامة مأدبة عشاء لصديقهم – النابغة الجعدي – العائد للتو من الولايات المتحدة منهيًا بعثته الدراسية بحصوله على الدكتوراه في طب الأسنان .

في الوقت الذي فصل فيه حاتم الطائي رأس الخروف عن جسده ، كان المعَرّي قد أشعل النار داخل المحنذة لاستقبال جثمان الخروف .

نسماتُ الجو لطيفةٌ للغاية ورائحة المطر ألهبت أشجان البحتري الذي مكث يستمتع بالمناظر الخلابة المطلة على منطقة الشفا من الجهة الغربية ويتناول الكليجا مع كوب قهوةٍ تركية مرة ، لم يكن غازي القصيبي ليفوت هذه الفرصة فيسأل البحتري عن بعض قصائده وعن مدى اشتياقه لمدينته حلب ولحبيبته المغنية ( علوة ) ، في هذه الأثناء يصل امرؤ القيس على سيارته ( الماي باخ ) الفارهة ، مرتديًا بشتًا حساويًا مزركشًا ، وبيده طبقٌ من الشوكولا الفاخر عليه علامة باتشي ، ما دعا الفرردق لإنهاء حواره الطويل مع جرير ؛ مبررًا ذلك بأنه يحتاج لوقتٍ آخر في غير هذه المناسبة للتفاهم وإقفال كل الملفات القديمة ، وما إن جلس الجميع حتى تقدم عبده خال بالقهوة ، وتبعهُ النابغة الذبياني بالشاي المنعنع ، بينما يحاول حاتم تذوق اللحم ويستعين بعمرو ابن كلثوم ليتيقن من نضوجه ومن مستوى الملح فيه .

تطوير سوق عكاظ و توثيق معالمه كانت محور الحديث الذي دار بين خالد الفيصل والمتنبي والأعشى والشنفرى ، وهذا الأخير مازحهُ الأمير وهدده بإسقاط اسمه مستقبلاً من برامج السوق إن لم يتوقف عن مشاكسته ، زهير يبدو الأكثر نشاطًا وجديةً بينهم إِذْ يطلب مساعدة عنترة لإصلاح عطلٍ في جهاز التبريد ، لكن عنترة لايستجيب لنداءاته ويستمر في توزيع ورق البلوت على أخصامه العقاد و السيّاب ، ويقسم ألاّ يظفروا ولو بصكةٍ واحدة .

الطقسُ بدأ يميلُ إلى البرودة ، عنترة يغمزُ للسليك ثم يصرخ على حاتم – أسرع إلينا بوليمتك وإلا أولمنا بك أيها الطائي – فيرد حاتم : تبًا لك أيها – الأهلاوي – والله لن تأكل معنا حتى تحققوا بطولة الدوري ، لكن عنترة لايترك عنتريّتهُ ويرد بقوة : ستموتون وأنتم تنتظرون عودة منصور البلوي ليعيدكم لمنصات التتويج ، فيتدخل طرفة بن العبد ويقسم أن عنترة مانطق إلا صدقًا وماقال إلا حقًا .

الحديث عن الكرة لايعجب الغذّامي إطلاقًا ، فمضى يسرد رؤيته وفلسفته عن التراث والحداثة ، هذه التنظيرات أيضًا لاتروق لجرير الذي راح يشجع الشلهوب حين رآهُ يلعب بالكرة ويحرضه لتمريرها بين أقدام الفرزدق .

ابن زيدون يُجري اتصالاً هاتفيًا بالخنساء ويطلب منها التوسط لدى عشيقته ولاّدة ، فأخذت تُقرِّعهُ وتتهمهُ بالتفريط في سيدة الحسن والجمال في زمانها ، والعقاد يطلب منها أن تُحكِّم بينه وبين شوقي ، أيهما أشعر ؟ لكنها تعرض عليهما التواجد في السوق العام القادم حتى تسمع منهما ثم تدلو رأيها .

زهير ينبه الجميع لبدء الفقرة الغنائية ، ومحمد عبده يُدوْزِنَُ عُودهُ ويستعد لآداء وصلته الغنائية بالموال الشهير :

لولا الهوى ماحمّلوا ريح الصبا

شوقًا إلى أهل النقا والمربعِ

يبدو أن كلمات الأغنية لامست شيئًا لدى أبو فراس الحمداني فبدا شجيًا طرِبًا ، ويسألُ ديك الجنِّ عن قائلها ، فيجيبه أنها لشاعر من الحجاز اسمهُ بديوي الوقداني .

صفق الجميع إعجابًا بآداء فنان العرب ، وراح كلٌ منهم يطلب أغنيتهُ المفضلة ، لكن حاتمًا شرع في وضعِ أطباق العشاء وألسنةُ الدخان تتصاعد منها ، وطارقًا بالباب يقفز له السليك فيرجعُ حاملاً طبقًا تتربعُ فيه خُبزةٌ مُنتفخةٌ تموجُ في سمنٍ وعسلٍ وعليها حباتٌ من تمر كأنها هضبةٌ من هضاب نجدٍ أصابها مطرٌ فجاستها إبِـلٌ لقبيلة عبس ، فبادَرَهمُ السليك قبل أن يسألوهُ قائلاً :

إنها هديةٌ من …. وسكت !

قالوا مِنْ مَن ؟

قال : إنها مِنْ ….ثم سكت !!

وينظُر بخُبثٍ إلى عنترة فتحولوا بأنظارهم صوبه ، وإذا بخدودهِ تتوردُ كأنها ورد الهدا فتّح ومال على العود .

ثم استلّ الجميع سواعدهم وغمسوها في ظهر الخروف وبطنه ورقبتهِ ، ومنهم من كان يمتص الضلوع امتصاصًا كأنهُ ذاك الذي يعزفُ الناي خلف أم كلثوم في أغنيتها الشهيرة -أروح لمين – ثم يرمي به ويتناول ضلعًا آخر ، لوِ اطلعت عليهم من بعيدٍ لظننت أن القوم يحفرون قبراً لقريبٍ لهم قبل أن يدركهم العدو !

وما إن تحولت الوليمة إلى هيكلٍ عظمي ، يفاجئهم حاتمٌ بأطباقٍ متروسةٍ بالحبحب بلونه الأحمر الشهيِّ حتى لوددت أنهُ مسبحٌ تتمرغ فيه كما تتمرغُ الفيلةُ في بحيرات إفريقيا ، فما تسمع سوى الأمئمةِ والهمهمةِ ، وإذا بعنترة يزحف على جنبه كما تزحفُ الحيةُ المضروبة على رأسها ، بينما يحاول السليك نهوضًا كنهوض الجملِ الذي عُقِلت إحدى يديه !

يتلقى عبده خال إتصالاً هاتفيًا ثم يستأذن للمغادرة ، فينحني المتنبي إلى زُهير يسألهُ :

هل قرأت روايتهُ ( الموت يمر من هنا ) ؟

قال زهير : نعم ، ولكن لِمَ تسأل ؟

قال : والله ماأرى عنوان روايته هذه ، إلا عنوانًا صالحًا لزمانهم هذا .

 

الأزوري ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*