“إيناس الصديق” وإبداع متميز في عالم الفن التشكيلي

بقلم / محسن صالح

1

حينما تقف أمام أي عمل فني و تحس به يتغلغل في داخلك كـأنك تعرفه لتجد تلك الحزمة من الأحاسيس التي يبثها في أعماقك –أيها القاريء الكريم- فإنك تعاود المرة تلو الأخري النظر إليه لتستعيد هذه الحالة من التوازن النفسي والتناسق مع معطيات عالم النفس الداخلية والمشاعر وكأنك ترتب بيتك النفسي الداخلي –إن جازت هذه العبارة. تقف أمام لوحات الفنانة المبدعة والمتنوعة “إيناس الصديق” و تنتابك مجموعة فريدة من ردود الفعل و التحليق لعوالم سامقة من الجمال الفني والتميز الابداعي الخالص . يزيد من هذا أننا أمام فنانة تعرف ماتفعله وتنسج نسيجا خاصا له مذاقه الخاص ، نجد أنفسنا فيه و معه. إنها تخرج لنا أعمالا تتنوع لتعزف سيمفونية متنوعة أنغامها ، إنه ذلك التنوع أو تلك البولوفنية التي تأثر من يشاهدها وكأنه يسمعها وتحوطه من كل الأركان.

نقف مع تنويعات هذه المعزوفة الخاصة للفنانة “إيناس الصديق” لنري جوانبا من عالم ثري ، فيه ضربات الفرشاة تتواصل مع بعضها البعض لتصنع لنا في كل لوحة نموذجا خاصا فريدا ففي بعض اللوحات نري المرأة أو الفتاة الشابة أو الأم العاملة نراها في ملبسها الذي نعاينه و الذي نلقاه بها في الطريق أو في المنزل . إنه الصدق الفني الذي نراه في كل جزيئات اللوحات الجميلة الرائعة ، و نلمح في أعين هؤلاء الفتيات شرودا يعكس لنا ضغوط الحياة في معايشة يومية تعانيها المرأة ونري كل ذلك في طريقة وقوف بطلات اللوحات أو الوضع الذي يتخذه الجسم لنري نوعا ما من الضجر ساعد علي زيادة تأثيره تشكيلة اللون التي استخدمتها فنانتنا في هذه النوعية من اللوحاتإضافة إلي مفردات داخل كل لوحة تساعد علي فهم مغاليقها.

في لوحة”سهر” فيها عفوية و جمال آخاذين ويتوازي مع جمال اللقطة جمال بطلة اللوحة و تلقائيتها الذي يؤكده جلوسها علي الأرض وضعية يدها تحت رأسها ، حيث تقيدها أنوثتها و الشعر هنا هو القيد ورفع يديها كأنها تتقي تهديدا ما . إنه شعور بالاستسلام لتقاليد وعادات و سجن مجتمع و تهديده لها . إنها حرية زائفة. من هذا التناقض يتفجر جمال اللوحة . كذلك نجد في اللوحة البيضة المكسورة علي الأرض راقدة بجوارها تدل علي فساد العلاقة فالبيض إذا انكسر علي الأرض يصعب استخدامه ثانية. ووضعية الجنين احساس بالتقوقع علي الذات واتقاء الخارج حتي المتعة المزيفة في السيجارة التي في يدها أوشكت هي الأخري علي الإنتهاء.كذلك تلك النظرة القلقة السارحة في عينيها الجميلتين . إنها لوحة تنطق بمعاني عدة كأننا امام إحدي لوحات عصر النهضة الأوربية في إيطاليا في سجال خاص بين اللوحة والناظر إليها .

وفي لوحة “لكي أراك من بعيد” نري العزف علي نفس التيمة ونجد هنا الشرود يأخذ مجراه مع بطلة اللوحة شرودا يختلط باللامبالاة التي تتضح من طريقة جلستها علي الكرسي فهي في وضع التجهم والتعب من كثرة الانتظار لمن رحل تحمل بداخلها حب ولكنها مكتومة المشاعر صبورة للدرجة التي أدت لخروج الزرع الأخضر من البلاط ، إنه الانتظار الطويل القاتل لمن هو حبيبها ونري عينيها تمتلآن بالحزن والشجن ولكن قلبها مليء بالحب الذي أثر علي الجماد و لم يؤثر علي البشر في معان تتناسق بين بطلة اللوحة و مايحيط بها.

وفي لوحة “أستجديك علي العشاء” نراها تجلس علي الأرض باللون البارد والشعور بالبرد وهي تلبس الأزرق كذلك وتنتظر في وضعية الشحاذ للمشاعر وهي تحاول أن تجد من حبيبها المشاركة والاهتمام. هذا ونري اللون الأحمر للشال المحيط برقبة بطلة اللوحة يشع و يشف لنا عما يعتمل داخلها من لهيب الانتظار والترقب ، إنه بريق أمل زائف.وتأمل معي العيون ونظراتها وكيف أن فرشاة الفنانة المبدعة لاتترك أي جزئية منملامح الوجه وتعبيراته إلاغذتها بروحها فجاءت كما ينبغي أن تكون.تقف – عزيزي القاريء- أمام لوحة “إعادة تدوير” وتحتار أمام مكوناتها وتلك النظرة التي تعلو وجه بطلتها و تحس فيها بشيء من الضجر والتقزز لمن أحبتهم في حياتها وأنهم كانوا سبب العجز والمرض وتقول الفنانة عن هذه اللوحة ” بأنها رسالة إلي من أحببتهم … قد أكون تقاعدت ولكني مازلت أنبض روحا… سئمت الكذب والخيانة والغدر … ولكن سيظل هناك أمل .. سأقف اليوم أو غدا … وهذا وعد . جرب وعد الأنثي … يارجلا … لم توف يوما عهدا” إن بطلة اللوحة تحمل ورائها ضبابية الماضي وثقله يجسد هذا عكارة لون الورد الأبيض ووجود البرتقالة و الشال البرتقالي تعبير عن الخريف بلون أوراقه المتساقطة البرتقالية.و أقف مشدوها أمام جمال لوحة “بطعم الحب” و التي نري فيها المرأة في جانب من جوانب حياتها الثرية وهي في المطبخ و تتشكل مع مكونات اللوحة الشهية كطعام مكونات أخري لونية وتكوينية ومؤثرة و نظل نعيد النظر لهذه اللوحة حتي نستوعب ماتتركه فينا.نحس من بعض لوحات الفنانة ” إيناس الصديق” بحبها للحرية و للانطلاق مثال لوحة “هواء ” و لوحة “حرية” بل نراها في زوايا وأركان اللوحات الأخري التي تعبر عن إحساس الفنانة بأن المرأة في تعرض دائم لضغوط ما داخل المجتمع . ويرسل الفن اشاراته الجميلة في ضربات الفرشاة و في خطوط القلم الرصاص . إننا أمام حالة فنية خاصة تعزف فيها فنانتنا فتشجينا بفنها.

ولن أختم هذه المقالة قبل الحديث الخاطف عن الفن الحيوي الذي تتقنه هذه الفنانة والذي يعتمد علي توظيفها للبكتيريا والفطريات في أعمال التجهيز في الفراغ ، ولعل الفنانة تريد أن تقول لنا رسالة أن نتأمل أنفسنا ، مانحن إلا تفاعلات ولنا مكوناتنا التي تصدم من يعرفها و لعلي أحس من هذا بلسع اللوم للإنسان الذي ينسي من أي شيء خلق وهي رسالة لمن يتجبر و يتكبر علي الأخرين ، فلنقدر بعضنا ونتفاعل بشكل أسمي . إنني ألمس هذا المعني من طرف خفي و لذا لن يتناول هذا العرض ذلك الجانب الخلاق من أعمال المبدعة“إيناس الصديق”الذي في حاجة لاستفاضة و اسهاب لأنه ببساطة تنوع و خلق وتجديد له طعم خاص.

في خاتمة هذا العرض لن أجد أجمل ولا أحلي من لوحتين تتحدثان عن الزهور رمز الحب و رمز المودة و رمز الجمال و الرقة ، إن فنانتنا لاتتركنا عبثا بل تهدينا في “طريق الزهور”و في لوحة ” زهور راقصة”نورا يظل يتردد في جنبات أنفسنا و نحس بها كأنها تضعنا في الجنة مباشرة . أية روعة هذه وأي بهاء هذا الذي نحسه في هاتين اللوحتين . ولعلي بها تريد أن تقول لنا في رسالة خاطفة ” دعنا نحب بعضنا بعضا ونتعاون معا و لانؤذي أي منا الأخر”

ألف تحية للفنانة المبدعة ” إيناس الصديق ” علي أعمالها و التي تصر علي بث الفن الراقي حتي في الرسمعلي الجدران. دمت مبدعة علي الدوامو إلي عرض قادم جديد عن أعمالك الضافية و التي لاينتهي أثرها في النفس والقلب والعقل.

تعليق 1
  1. سيف الدين رزق يقول

    ابداع رائع و فن جميل يا فنانة بالتوفيق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*